حسونة المصباحي
يحظى الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجاك المولود عام 1950، بتقدير كبير في الأوساط الفكريّة والفلسفيّة لا في أوروبا وحدها، وإنّما في الولايات المتّحدة، وكندا، وأستراليا.
وهو لا يكاد ينقطع عن التنّقّل بين مختلف البلدان للتحدّث في القضايا السّاخنة التي يواجهها العالم راهنا، أو لإلقاء محاضرات عن هيغل، أو عن ماركس، أو عن فرويد، وعن نيتشة، أو عن ماكس فايبر، أو عن غيرهم حتى أنه أصبح نجما في الجامعات العريقة والكبيرة.
كما ان مقالاته التي تبحث في مختلف المسائل التي تشغل النّخب الفكريّة والفلسفيّة راهنا ،تستقبل بترحاب من قبل المجلات والصّحف العالميّة ذات الإنتشار الواسع.
ويقول جيجاك بإنه اكتشف عالم الفلسفة مبكّرا.فقد كان في الثانية عشرة من عمره لمّا تصفّح "أنسكلوبيديا" الفلسفة ليقرأ عن كانط ، وعن مؤلّفه الشهير "نقد العقل المحض"، ففتن به فتنة جعلته يحلم بأن يكون فيلسوفا ذات يوم. وهو يعترف أن علاقته بوالديه كانت سيّئة.
والإثنان توفّيا ليلا، ويفصل بين موتيهما عامين.غير أنه لم يحضر جنازتيهما، ولم يزر قبريهما أبدا، ولم يحزن على فراقيهما، بل واصل عمله وحياته وكأنّ شيئا لم يكن! ولمّا عثر في البيت على صور لهما، أحرقها جميعا.وهو يقول:”إذا ما سألني أحد عن طبيعة حياتي، فلأنه لا يعير اهتماما حقيقيّا لي! أن لا أحبّ جورج أورويل كثيرا لأن وصفه للنّظم الشموليّة ليس صحيحا.
لكن هناك مشهدا رائع في روايته "1984” حيث يسأل وينستون سميث رجلا نسيت اسمه قائلا:”قل لي هل "بيغ بروذر "موجود حقّا؟، فيجيبه الآخر:”إنه سؤال سيّء. ليس "بيغ بروذر" هو الذي غير موجود، وإنّما أنت هو الذي غير موجود".
انطلاقا من هذا المعنى ، من الخطأ محاولة التعرّف على حياتي الخاصّة. فما يهمّني هو النّظريّة. أمّا أنا فغير موجود!”. ولا يخفي جيجاك في زمن تميّز بالتّنكّر لها، تعلّقه بالماركسيّة.
لذلك هو لا يتردّد في الدّفاع عنها وباستماتة خصوصا خلال السّنوات الأخيرة التي شهدت بروز أزمات اقتصاديّة وماليّة غاية في الخطورة. ومتحدّثا عن موقفه هذا هو يقول:”ها هو موقفي الرسميّ.
أنا واع شديد الوعي بأن لي مشكلة مع "العلاقات العامّة".العديد من ألأصدقاء ، أو حتى بعض الذين لا تربطني بهم علاقة صداقة يسألونني: لماذا لا تترك هذه "الشيوعيّة الغبيّة" التي ترتبط بالكثير من المآسي ؟ وأنا أجيب مقدّما ثلاث حجج في هذا الشّان. أنا أعلم كما لا بدّ أن يعلمه فرويديّ حقيقيّ "نسبة إلى فرويد"، أنه حين تتراكم التّفسيرات،فلإنه هناك ما يثير ألإرتباب والتوجّس.
وأنا أودّ رغم كلّ شيء ،أن يكون هناك تاريخ محدّد للشيوعيّة شرط ألّ يكون فيه مكان للستالينيّة"نسبة إلى ستالين"،ولمن جاروها في تطبيقاتها للماركسيّة.كما لا بدّ من نزع الجوانب المثاليّة كالاعتقاد بأن الشيوعيّة قادرة أن تحققّ ما تطمح له الإنسانيّة من تقدّم، ورقيّ وتحرر، وعدالة اجتماعيّة وغير ذلك...مثل هذه المثاليةّ موجودة أيضا في المسيحيّة ، وفي العديد من الثورات الكاذبة في القرن العشرين.
والحال أن الشيوعيّة تعني عندي أن نكون واقعييّن ،وأن نتفحّص أدوات الواقع بعقلانيّة، وبتبصّر من دون مبالغات. كما تعني أن يكون خطابنا واضحا من دون بلاغة مزيّفة. والنّقطة الثالثة التي أودّ أن أتطرّق إليها هي أن الشيوعيّة تحمل معها مشروعا تاريخيّا هائلا.
وحين تكون على هذه الصّورة ،فإن ذلك يعني أنها معرّضة دائما لمخاطر جسيمة، إذ يمكن أن يتحوّل هذا المشروع العظيم إلى كابوس . وهذا ما حدث في العديد من البلدان التي فشل فيها تطبيق الشيوعيّة!”.
ويضيف جيجاك قائلا:” بعد انهيار ما كان يسمّى بالإتحاد السوفياتي، برزت للوجود مقولة فوكاياما المشهورة عن نهاية التاريخ.وقد تبنّاها كثيرون من أهل اليسار، أي أؤلئك الذين كانواينسبون أنفسهم للماركسيّة، معتقدين أن الديمقراطيّة اللّيبيراليّة هي لأقل سوءا.أنا لا أحتقر هؤلاء السّادة الذين يتوقّف أفقهم عند:”علينا أن نجعل النظام أفضل"، غير أني أقول لهم بأن هذا لا يكفي!”.
ويعبّر جيجاك عن تضامنه مع حركة "وال ستريت" في الولايات المتّحدة الأمريكيّة،وعنها يقول:”هذه الحركة مهمّة جدّا. فلأوّل مرّة توجد في الولايات المتحدة الأمركية تظهر حركة اجتماعيّة لها صدى واسع، ولا ينحصر نشاطها في الدّفاع عن القضايا الصغيرة مثل تلك المتّصلة بالعنصريّة، أو غير ذلك من القضايا التي تشبهها.
وأظنّ ان قادة هذه الحركة وأنصارها أدركوا أن هناك شيئا ما ليس على مايرام في النّظام الاقتصاديّ العالمي.غير أني لا أحبّ الشّعار الذي يرفعه هؤلاء، والذي يقول:”الرّأسماليّة الماليّة هي المسؤولة".
وبعد أن أصدر عشرين كتابا، يستعدّ جيجاك لإصدار كتاب بألف صفحة عن هيغل في الخريف القادم مؤكّدا أنه يرغب من خلاله في تقديم رؤية فلسفيّة جديدة .وهو يضيف قائلا.”إذا ما حدث وأن أجبرت على التوقّف عن الكتابة فإن ذلك سيكون مرعبا بالنسبة لي".