تونس – العرب
اثارت لوحات وأعمال فنية عرضت في قصر العبدلية في مدينة المرسى "شمال العاصمة تونس" في تظاهرة تحمل عنوان "ربيع الفنون" استياء عدد من التونسيين الذين اعتبروها "مسيئة للدّين الإسلامي"، يأتي هذا في ظل مخاوف في الشارع من صدام حاد بين السلفيين ودعاة العلمانية.
وتجمّع عشرات من الاشخاص المحسوبين على التيار السلفي أمام قصر العبدلية للاحتجاج على عرض عدد من اللوحات مطالبين بمقاضاة المسؤولين عن هذا المعرض بتهمة الإساءة للدين والاعتداء على الآداب العامة.
وأمام احتدام المواجهات تدخلت عناصر من قوات الأمن لتفريق المحتجين، كما صادرت اللوحات المثيرة للاحتجاج.
وقد كانت أحداث هذه الواقعة المحور الرئيسي لصفحات "فايسبوك"، تناقلت فيها الصور والشرائط المصوّرة واختلفت فيها التعليقات المؤيدة والمعارضة.
وقد دعا المعارضون لمحتوى اللوحات إلى التجمع اليوم أمام قصر العبدلية للتنديد بهذه الأعمال، فيما ستردّ عليهم مجموعة من المؤييدين بوقفة تضامنية يوم الأربعاء.
ووفق الصور التي نشرت في شبكات التواصل الاجتماعي، فإن اللوحات تتضمن رسوما للرسول محمد "ص" في الإسراء والمعراج على براق، ورسوما عن الذات الإلهية واخرى عن الكعبة أو عن محجبات يتعرضن للرجم.
وحضر إلى المعرض لمساندة الفنانين ودعم حرية التعبير رموز من المعارضة التونسية أبرزهم رئيس الحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي وشقيقه القيادي بنفس الحزب عصام الشابي.
بالمقابل، صب كثير من التونسيين جام غضبهم على الحكومة وخاصة حركة النهضة التي اكتفت بالصمت ولم "تنتصر" للدين والمقدسات، كما جاء في مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك أنصار للنهضة قالوا إنها الفرصة الأخيرة أمامها لتثبت غيرتها على الدين خاصة بعد أن خذلتهم بالتراجع عن تبني الشريعة مصدرا رئيسيا للتشريع بالدستور الجديد.
ويقول مراقبون إن جهات ما تحاول أن تدفع تونس نحو الفتنة مستفيدة من حالة التشنج الناجمة عن الاستحقاقات السياسية وصعود حركة النهضة ذات الخلفية الإسلامية عبر انتخابات 23 تشرين أول/ اكتوبر 2011 إلى سدة الحكم.
وشهدت تونس خلال الأشهر الأخيرة أحداثا استفزازية على صلة بالمسائل الدينية في مجتمع عرف تاريخيا بغلبة الاعتدال والتسامح وتغليب المواطنة على الاعتبارات العقائدية التعبدية.
في الأسابيع الأخيرة، هاجمت مجموعات من السلفية مقار لبيع الخمر في محافظات داخل البلاد، وتكررت الحوادث التي يتعدى فيها سلفيون على الحريات الشخصية للمواطنين وخاصة من النساء، فضلا عن تصريحات عدائية للأجانب والسياحة ما يثير مخاوف بالداخل والخارج.
وقد صعدت الحكومة التي ترأسها حركة النهضة من خطابها تجاه السلفية وهدد رئيس الحكومة حمادي الجبالي بأنه لن يسمح لأي كان بتجاوز القانون واللعب بأمن البلاد.
وفي الخط المقابل، خط يقول إنها يتبنى العلمانية، فاجأ منذ أيام أحد النشطاء المحسوبين هلى معارضة بن علي المقيمين بفرنسا بتصريحات تمس من الذات الإلهية ومن شخصية الرسول "ص"، واثارت تصريحاته حنقا عارما لدى نشطاء شبكات التواصل وصدرت "فتاوى" تدعو إلى قتله.
وشهدت تونس منذ اشهر قليلة احتجاجات على تمزيق المصحف الشريف وتدنيس بعض المساجد.
فقد تظاهر مواطنون بمدينة بنقردان الواقعة في أقصى الجنوب احتجاجا على تدنيس عدد من المساجد وتمزيق المصحف الشريف.
وشارك في المظاهرة أيمة وممثلو عدد من الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني بالجهة رافعين شعارات تندد بالاعتداءعلى المقدسات.
وجاءت المظاهرة بعد إقدام مجموعة من الأشخاص على الاعتداء على عدد من المساجد وتمزيق المصحف الشريف ورميه في دورات المياه.
وفي تونس العاصمة أقدم شخص على رسم نجمة إسرائيل السداسية على الرخامة الحائطية لجامع الفتح بعد انتهاء صلاة الجمعة التي يؤمها في العادة وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي.
وقبلها رفع محامون دعوى قضائية ضد قناة نسمة الخاصة بتهمة الاعتداء على المقدسات بعد بثها فيلما كرتونيا يجسد الذات الالهية. ونظم طلاب ومواطنون مسيرات في العاصمة وعدد من المحافظات احتجاجا على بث الشريط.
وقضت المحكمة بتغريم مدير القناة نبيل القروي بـ2400 دينار "1550 دولارا" بتهمة "النيل من الشعائر الدينية".
وأظهرت المحاكمة أن تونس مازالت تكافح لإحداث توازن بين الحساسيات الدينية في ظل صعود قوي لمجموعات سلفية من جهة وتمسك علمانيين بممارسة الحرية بشكل كامل دون مراعاة الخصوصية الدينية.
ويتخوف تونسيون من أن يكون التصعيد المتقابل حلقة من حلقات الفتنة التي تقف وراءها "فلول" النظام السابق أو من رجال أعمال نافذين يتخوفون من المحاسبة القضائية فيعمدون إلى التوتير والدفع نحو الفوضى.
ويذهب مراقبون إلى اعتبار ما يجري محاولة لاستدراج السلفية لارتكاب حماقات جديدة باستهداف فنانين ومسرحيين بما يدخل البلاد في حالة من عدم الاستقرار، ويتزامن هذا مع ما اعتبره تونسيون تدخلا فجا من الزعيم الأول لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري الذي هاجم النهضة لرفضها تطبيق الشريعة، ورأوا فيه تحريضا على مواجهة بين النهضة والسلفية.