جون مكرانك / "رويترز"
من أبجديات اتصالات الأزمات بالنسبة لقطاع الأعمال الأمريكي أنه عندما تفسد شركة حدثا بحجم الطرح العام الأولي لفيسبوك فتثير استياء العملاء وتتسبب في دعاوى قضائية وتحقيقات تنظيمية فعلى الرئيس التنفيذي أن يعتذر ويوافق على تقديم تعويض لتصحيح الأوضاع وحينها يصبح بمقدور الجميع أن يتجاوز الأمر.
لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لمجموعة ناسداك أو.ام.اكس بعد الأعطال التقنية وخلل الاتصالات الذي شاب الطرح العام الأولي لفيسبوك في 18 مايو/ أيار والذي كان بقيمة 16 مليار دولار.
منذ ذلك الحين لم تفعل البورصة شيئا لاسترضاء عملاء صناع سوق خسر عدد منهم عشرات الملايين من الدولارات بسبب مشاكل في التداول.ولم يصدر اعتذار صريح. ورغم غضب بعض العملاء يقول خبراء إنه لا بديل أمامهم إلا الاستمرار في التداول بالبورصة.
وهو ما حدث. فحجم التداول في ناسداك الأسبوع الماضي يفوق المتوسط الشهري وسعر سهمها لم يتغير تغيرا يذكر بعد أسبوعين من خلل التداول.وناسداك إحدى بورصتين أمريكيتين تستطيع الشركات إدراج أسهمها فيها وتضم بعض أسهم شركات التكنولوجيا الأكثر تداولا مثل أبل وجوجل وبينها وبين بورصة نيويورك منافسة على الإدراجات الكبيرة. وقد اعتبر طرح فيسبوك ضربة موفقة لها.
وفي ظل قلة الخيارات المتاحة للمتعاملين فإن مركز ناسداك القوي يعطي ثقة للمستثمرين والمحللين. وقال كريس آلان المحلل لدى إفركور بارتنرز في مذكرة للعملاء "نتوقع أن يتلاشى الأمر تدريجيا".
لكن كثيرا من عملاء ناسداك يعزفون لحنا مختلفا. فخلال اليوم الأول من تداول فيسبوك تسببت أعطال تقنية في عدم معرفة صناع السوق - الذين يسهلون التداولات للسماسرة ويضطلعون بدور حيوي لتسهيل تداول الأسهم - بالمعاملات التي نفذت بالفعل.وكانت النتيجة خسائر وصلت إلى 115 مليون دولار لصناع السوق الأربعة الكبار في ناسداك. وقال مسؤولان تنفيذيان كبيران بالقطاع المالي إنهما يتوقعان أن يصل إجمالي خسائر أعضاء ناسداك لما بين 150 و200 مليون دولار.
ولم يزد رد فعل ناسداك على مؤتمر بالهاتف للأعضاء فقط مع نائب الرئيس التنفيذي وبيان بأن الشركة ستجنب 13.7 مليون دولار لتعويض الخسائر وإشارة مقتضبة لفيسبوك خلال اجتماع مساهمي الشركة.وقال مصدر قريب من البورصة إنها تخاطب العملاء المتضررين. لكن بعض العملاء الكبار مازالوا غير راضين.
وقال مارك ترنر مدير التداول في شركة انستينت للسمسرة التي مقرها في نيويورك "لم تختلف الاتصالات عما كانت عليه يوم الطرح العام الأولي - محدودة". وامتنع ترنر عن الكشف عن خسائر شركته لكنه قال إنها ضئيلة قياسا إلى ما تكبدته أسماء كبيرة مثل يو.بي.اس وسيتي جروب ونايت كابيتال وسيتادل للأوراق المالية والتي خسرت ما بين 20 و35 مليون دولار.
وفي معظم قطاع الأعمال الأمريكي كان وضع من هذا القبيل سيدفع المسؤولين التنفيذيين لإجراء اتصالات معالجة أزمة غير عادية.وقال جون مكينرني نائب الرئيس بشركة العلاقات العامة ماكوفسكي اند كو إن الاتصالات المنتظمة وليس بالضرورة الزائدة هي أفضل السبل لمعالجة أزمة.
وقال "يكفي أن تقول سنتحدث معكم في الساعة الرابعة أو في توقيت معين وسنطلعكم على الوضع الحاليوأعتقد أن بمقدور الناس التعايش مع هذا النوع من عدم التيقن ماداموا يعلمون أنهم سيسمعون شيئا.. وهذا لم يحدث".
وفي مكالمة مع صحفيين يوم الأحد الذي تلا طرح فيسبوك، قال روبرت جرايفلد الرئيس التنفيذي لناسداك إن الشركة "تشعر بحرج شديد" بسبب العطب الفني لكنه لم يقدم اعتذارا علنيا.وقال مايكل روبنسون مسؤول العلاقات العامة والسياسة السابق في لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية والذي عمل لثلاث سنوات أيضا في علاقات وسائل الإعلام لدى ناسداك "أخفقوا في تنفيذ استراتيجية اتصالات شاملة أو متماسكة".
وقال روبنسون الذي يشغل حاليا منصب نائب الرئيس التنفيذي في لفيك ستراتيجيك كوميونيكشنز "ها نحن بعد أسبوعين ومازالت غير متأكد تماما ما الخطأ الذي أعلنوا عنه".
ويتناقض هذا تناقضا تاما مع الطريقة التي تعاملت بها بورصة باتس جلوبال ماركتس المنافسة مع أزمة كبيرة عندما ألغت طرحا عاما أوليا لها في بورصتها نفسها في مارس/ آذار بعد خلل فني تسبب في تعطيل التداولات. فقد ظهر جو راترمان الرئيس التنفيذي لباتس على التلفزيون في اليوم التالي حيث أعلن تحمله المسؤولية وشرح لماذا قامت الشركة بالغاء العملية.
وكان الحدث محرجا في حينه لكن المتعاملين يقولون الآن إن رد فعل باتس السريع يبدو تحركا بارعا بالمقارنة مع تقاعس ناسداك.وقال مسؤول تنفيذي بالقطاع المالي طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الأمر "رغم تعرضهم لانتقادات كبيرة فإن أحدا لم يخسر أي أموال عدا باتس نفسها. بينما.. المستثمرون لم يخسروا".
ويقدم عدم إجراء اتصالات علنية حماية جزئية في وقت تتراكم فيه الدعاوى القضائية المرفوعة على ناسداك من مستثمرين مستائين. لكن كثيرين ممن يتعاملون مع ناسداك بانتظام أو من المطلعين على طريقة تناولها لعلاقات العملاء يقولون إنه حتى إن لم تكن هناك مشاكل قانونية فإن الصمت وعدم إبداء الأسف لصناع السوق قد يفضي إلى ذلك.
وقال وليام كارش مستشار التداولات وهيكل السوق المستقل ومدير العمليات السابق في بورصة دايركت ايدج الالكترونية المنافسة "تلك هي طريقة عملهم.. يلوون ذراع صناع السوق لأن بمقدورهم ذلك. وفي نهاية الأمر ليس أمام صناع السوق إلا التعامل معهم - مازالوا مستودعا ضخما للسيولة".
وأحجمت ناسداك عن التعليق لهذا التحليل. وبموجب القواعد التنظيمية والعقد المبرم مع عملائها تقتصر التعويضات الإلزامية على ناسداك عن أعطال التداول على ثلاثة ملايين دولار شهريا.
وقدمت البورصة طلبا إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات لزيادة المبلغ إلى 13.7 مليون دولار ليشمل 10.7 مليون دولار حققتها من طرح فيسبوك عن طريق بيع أسهم ظلت في حوزتها بسبب الأخطاء التقنية.
وقال محام مطلع على الوضع "يواجهون بلا ريب شبح دعاوى قضائية كبيرة إذا لم يكن هذا المبلغ كافيا".ويقول العملاء إن سقف التعويضات يجب ألا يسري في هذه الحالة لأن مشاكل فيسبوك نجمت عن إهمال جسيم.
وفي حين لا يملك المتداولون خيارا عدا الاستمرار في التعامل مع ناسداك فإن الخطر الذي تواجهه الشركة في المدى الطويل هو عدم الفوز بطرح جديد من عينة طرح فيسبوك. وقال روبنسون "أعطت ناسداك للتو بورصة نيويورك أعظم فرصة ترويجية يمكن أن تحلم بها".