اعترف رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحي بفشل السياسة الاقتصادية لبلاده محذّرا من زحف المال القذر على مقاليد السلطة بالبلاد.غير أن اعتراف أويحي يعتبر متأخرا نسبيا، حيث جاء بعد تحقيق حزبه "التجمع الوطني الديمقراطي" نتائج متواضعة في الانتخابات الأخيرة أمام "حزب جبهة التحرير الوطني"، ويرجح أن يخرج من رئاسة الحكومة حين يقرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تشكيل حكومة جديدة منتظرة بعد أيام.
وتعبر الجزائر بظرف سياسي دقيق تزيد من تعقيده الأوضاع الاجتماعية التي يعزوها أغلب الملاحظين إلى استشراء الفساد الذي يحرم المجتمع من الاستفادة من الأموال الطائلة التي يدرها تصدير المحروقات.
وتلاحق شبهة التزوير حزب جبهة التحرير الوطني الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة، ما يحد من قدرته إلى إحداث تغيير نوعي باتجاه الإصلاح في حال تولّى مقاليد الحكومة.
وورد في تقرير للجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات التشريعية في الجزائر برئاسة محمد صديقي أن الانتخابات الجزائرية التي جرت في العاشر من ايار-مايو الماضي كانت "غير شفافة وغير ذات مصداقية".واكد صديقي خلال مؤتمر صحافي عرض فيه تقرير لجنته، ان "هذا البرلمان غير شرعي".ومن جهته أبدى أحمد أويحي، أسفه لما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في بلاده.
وقال الاحد في تصريح صحفي إن "المال بدأ يحكم في الجزائر بضغط من دوائر مافياوية".وأضاف "من يعود من المطار ليلاً يصادف في طريقه جيوشاً من الشاحنات المقطورة مصطفة على حافة الطريق تنتظر دورها لنقل الحاويات..هذا مظهر من مظاهر الأزمة التي تعيشها البلاد".
وتابع "كم تمنيت لو كانت هذه الشاحنات تنتظر دورها لإفراغ حمولتها نحو التصدير وليس من أجل الاستيراد.. أنا متألم من الوضع الذي تعيشه البلاد".واعترف أويحي بفشل حكومته في تحقيق أهدافها قائلاً "إذا كان تغيير الحكومة يسمح بتحسين الوضع فسأصوت لذلك بأصابعي العشرة".
وأحصت الجزائر أكثر من 7 آلاف جريمة اقتصادية ومالية في الفترة ما بين نيسان-أبريل 2011 ونيسان-أبريل 2012 متعلقة بمخالفة قوانين الصفقات العمومية والتهريب والرشوة وتهريب السيارات وإصدار شيكات من دون رصيد.واتخذت الجزائر منذ العام 2009 إجراءات جديدة بخصوص محاربة الفساد المالي بكل أشكاله.
وكان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وقّع في كانون الأول-ديسمبر الماضي على مرسوم يقضي بإنشاء الديوان المركزي لقمع الفساد والذي يندرج ضمن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمحاربة الفساد في دوائر الدولة.
وحدّد بوتفليقة مهمة الديوان بإجراء تحريات وتحقيقات في مجال الجرائم المتعلقة بالفساد تحت إشراف النيابة العامة، وهو جهاز مزوّد بضباط الشرطة القضائية تشمل نطاق صلاحياتهم القطر الجزائري بمجال الجرائم المرتبطة باختصاصهم.
كما يتكفل بتعزيز التنسيق بين مختلف مصالح الشرطة القضائية في مجال مكافحة الفساد، وهو ملحق إدارياً بوزارة المالية، مثلما هو الشأن بالنسبة لخلية معالجة المعلومة المالية والمفتشية العامة للمالية.
وسبق تعزيز أحكام القانون حول النقد والقرض والقانون المتعلق بقمع مخالفة القوانين والتشريعات الخاصة بالصرف وحركة رؤوس الأموال نحو الخارج، والقانون الخاص بمجلس المحاسبة وذلك المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته.
وكان آخر تقرير صادر عن منظمة شفافية دولية حول حجم الفساد بالجزائر، صنفت الجزائر للعام 2011 في المرتبة الـ112 عالمياً من أصل 183 دولة في سلم الفساد بعدما كانت بالمرتبة 105 العام 2010.
وحصلت الجزائر على تصنيف منخفض جداً بحصولها على 2.9 من أصل 10 في مؤشر الفساد، أي أقل من 3 نقاط، وهو مرادف لانتشار الفساد بشكل واسع في الدولة.
وقد كشفت نتائج استطلاع أجرته الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أواخر العام 2011 أن 88 بالمئة من الجزائريين يخشون التبليغ عن قضايا الفساد بسبب افتقادهم للحماية وخوفهم من الانتقام.
وذكر الاستطلاع الذي صدر تحت عنوان "المواطن في مواجهة الفساد" أن 88 بالمئة من أصل 1600 جزائري شارك في الاستطلاع، يعتقدون أنهم "غير محميين ولا يشعرون بالأمان عند التبليغ".
وأشار الاستطلاع إلى أن أكثر من 51 بالمئة من المشاركين يعتقدون بأن أهم العراقيل التي تحول دون الكشف عن قضايا الفساد هو الخوف من أن يصبح المبلّغ طرفاً في مجرى المحاكمات.وأضاف أن 78 بالمئة من المشاركين ليسوا على إطلاع على قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.
واعتبر 82 بالمئة من المشاركين أن الفساد يعد جريمة أو جناية، بينما اعتبر 85 بالمئة منهم أن الأحكام التي ينطق بها القضاء بخصوص قضايا الفساد أحكام خفيفة، فيما رأى 31 بالمئة بأن المحاكمات الخاصة بقضايا الفساد تتم بناء على ما تورده الصحف من قضايا، أما القضايا الأخرى فتتم إما بناء على تقديم شكوى بنسبة 30 بالمئة أو تبليغ أو رسائل مجهولة بنسبة 39 بالمئة.