زهير الخويلدي واحد من الكتاب العرب القلائل للغاية الذي أضفوا على الاهتمام الفلسفي طابعا عاما، وعملوا على جعل الفلسفة امتدادا للحياة اليومية، بكل ما تنطوي عليه من شؤون ومشاغل.
وفي كتابه الجديد "الهوية السردية والتحدي العولمي" الذي صدر عن دار إي كتب، يكشف الخويلدي عن بعد جديد من أبعاد مشروعه الفلسفي، الذي كان كتابه السابق" شذرات فلسفية" بمثابة المتن الأول له.
أن تمتلك رؤية فلسفية، يعني أن تمتلك حلا، أو في الأقل تصورا عقلانيا للحل. وعلى الرغم من الاعتقاد الشائع بان الفلسفة نوع من الترف الفكري، إلا أنها بالمنظور الذي ينطلق منه الخويلدي، اداة حيوية ليس لمعرفة الواقع او إدراك طبيعته، ولكنها أداة لحل أزمات، ومعالجة مشكلات، وتخطي عقبات.
انها سبيل لتحديد موطئ القدم أيضا حيال قضايا العالم وشؤونه. والمرء يكاد أن يبدو ضائعا من دون بوصلة فلسفة تحدد له الاتجاه الذي يمكن لا شرعته أن تذهب اليه. يقول المؤلف إن كتابه "ينبجس من المعاناة ومن الاكتواء بنار العولمة الملتهبة مستشرفا أفق الطريق الثالث وقد ترعرع بين أحضان زمانيّة فكر انفتح على الوعي بصدمته زمن العولمة ويقظة الفيلسوف الدائمة بمفارقاتها ومخاطرها متنبّها إلى استفحال ظاهرة الحرب وتهديدها التي تنذر بجرّ كلّ البناء الحضاريّ الإنسانيّ إلى الهدم والهاوية...
غير أنّ مؤلّف استراتيجيّات فلسفيّة يأتي كمتن فكريّ ليحاول المقاومة والتحرّر من هلاك عولمة لا تبقي ولا تذر. ويعمل على تأسيس فكر متمرّد على ذاته محاكم لمسبقاته. وهذا الكتاب من المحاولات المجنونة والمغامرة للتحرّر من ميتافيزيقا النهايات والحسم مع منظّري القطيعة الكارثيّة. وهو، كذلك، من المبادرات الفرديّة التي تَلَحَّفت الصمت واشتغلت في الهامش عبر اختراق المركز وتدمير الأسس. إنّه ينظر إلى أنّ هذه الميتافيزيقا لا تتهاوى إلا بممارسة لعبة الكتابة والقراءة والنقد والتفكيك والتأويل والفهم".
وبمقدار ما يتعلق الأمر بالعولمة، فان المؤلف لا يخفي نظرته الفسيحة لها. قائلا "إنّ زمن العولمة ليس مجرّد مقولة اقتصاديّة فرضت نفسها على دنيا السياسة والثقافة. بل هو المعنى الذي يمكن أن نمنحه لوجهة التاريخ الآن وهنا. وهو العصر الذي نعيش فيه والذي هو بصدد التشكّل والطلوع بعد تلاشي الزمن الامبرياليّ، وقد يحملنا هذا العصر إلى مصير مجهول لا ندري فيه ماذا نفعل وماذا نقول وإلى أين نتّجه، لأنه عصر صنميّة الصورة والفوضى الخلّاقة وصعود الإمبراطوريّة ذات القطب الواحد التي تجعل من الحرب النمط الوحيد لاستعادة التوازن وبسط "الأمن" في المعمورة".
ولكن هذا الكتاب لم يهطل مفردا. انه جزء من مسيرة قادت كاتبها ومفكرها الى اقتحام خيارات وتجربة امكانيات وتفحص بدائل. ويقول ان شذرته الأولى "تراوحت بين القراءة والكتابة واللغة والترجمة والتأويل والفنّ والتفلسف والإبداع والمقاومة الثقافيّة وحسن الظنّ بالطبقة الصّاعدة والعالميّة البديلة. أمّا في الشذرة الثانية، هذه، فإنّها ترتكز على مقولة السياسة الحيويّة بماهي نظريّة سياسيّة برزت بعد تأبين عصر الإيديولوجيّات ودخول المعمورة عصر الذرائعيّة والإجرائيّة في مستوى تنظيم الحياة الإنسانيّة".
وفي نطاق هذه "الشذرة" الفلسفية الثانية، فان المرلف يقوم "باستثمار مفهوم" الهويّة السرديّة" من حيث هو ملتقى طرقٍ بين الإنيّة والغيريّة، وبين الفرد والحشود، وبين التراث والحداثة وما بعد الحداثة. وهو يبشر بقدوم عصر التنوير الأصيل. كما يعمد إلى تفكيك آليّات الإرهاب.
وهو يجعل من الشعريّ مقاما للعرب للتواجد في العالم. في حين أنّ مفهوم الإستراتيجيّة لا يعني فقط التفكير بعيد المدى أو التخطيط المستقبليّ والتنظير لماهو آتٍ بالتوجّه نحو صنع الغد الأفضل، بل هو خطّة مصيريّة يتوقّف عليها الوجود في العالم بالنسبة إلى "حضارة اقرأ" بأسرها. وهي خطّة ترتبط بالترفّع عن التكتيكيّ وتلمس المقاصد الكبرى التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار في كلّ قول أو فكر أو فعل".