أمام الضغوط المتزايدة للتيار السلفي اضطرّت الحكومة التونسية إلى التخلي عن "غموضها" تجاه السلفيين، وذلك من خلال تصريح وزير العدل التونسي الذي قال محذّرا السلفيين بأن "الفسحة التي منحت لهم انتهت.. وستتم معاقبتهم"، في ردّ على التحرّكات المكثّفة لمجموعة من أنصار السلفية الجهادية نهاية الأسبوع الماضي والتي كان أبرزها اجتماع جماهيري ضخم في مدينة القيروان جاء متزامنا مع مواجهات عنيفة في مدينة سيدي بوزيد بعد أن هاجمت مجموعات سلفية حانات وأغلقتها بالقوة.
اعتمدت حكومة حمادي الجبالي المتهمة بالتراخي منذ تسلمت مقاليد الحكم في 23 كانون الاول-ديسمبر، نبرة متشددة في الأيام الأخيرة واتخذ حزبها الإسلامي موقفا غير مألوف بعد أن جاء على لسان وزير العدل نور الدين البحيري في تصريحات إذاعية إن "هؤلاء السلفيين تجاوزوا كل الخطوط الحمراء وستتم معاقبتهم بحزم".
وأضاف أن "الفسحة التي منحتها الحكومة التونسية للسلفيين انتهت".وتأتي هذه التصريحات كأول رد فعل حكومي "منتقد" لتصرفات السلفيين، في تونس منذ اندلاع ثورة 14 يناير-كانون الثاني، على خلفية الأحداث التي شهدتها البلاد الأسبوع الماضي وحضر فيها التيار السلفي الجهادي بشكل ملفت، حيث عمد عدد من السلفيين المتشددين السبت الماضي إلى اغلاق بعض الحانات ومحلات بيع الخمور في مدينة سيدي بوزيد الواقعة على بعد نحو 350 كيلومترا جنوب تونس العاصمة، وأكدوا عزمهم عدم السماح بفتحها مجددا.
وقد أدّت هذه الحادثة إلى اندلاع مواجهات عنيفة بين السلفيين وأصحاب هذه المحلاّت وسط قلق من أن تمتدّ هذه الخطوة إلى تونس العاصمة وبقية المدن السياحية.وتأتي هذه الحادثة رغم تأكيدات رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي، الذي يتولى أيضا الأمانة العامة لحركة النهضة الإسلامية، أن حكومته لن تغلق الحانات ومحلات بيع الخمر.
وقبل هذه الحادثة بأيام قليلة هاجمت مجموعة من أنصار "السلفية الجهادية" مطار تونس قرطاج الدولي احتجاجا على منع السلطات التونسية زعيمين من التيار السلفي الجهادي المغربي من دخول التراب التونسي. واقتحم ما يقارب من خمسين من عناصر التنظيم البهو الرئيسي للمطار وضربوا حوله طوقا، رافعين شعارات تدعو إلى الجهاد المقدس، مما أثار حالة من الذعر في صفوف المسافرين والموظفين وأربك الحركة العادية في المطار الذي يعد الأول في تونس من حيث حركة عدد المسافرين.
وتنشط الجماعات السلفية العلمية و"الجهادية" في تونس تحت غطاء "جمعيات خيرية" مستفيدة من تسامح الحكومة وغض الطرف عن نشاطها الديني في المساجد والخدمات الاجتماعية التي تقدمها لأبناء الجهات المحرومة والأحياء الشعبية الفقيرة.
وقد نظّمت أحد اشهر هذه الجماعات الاسلامية وأكثرها تشدّدا، وهي حركة "أنصار الشريعة" تجمّعا حاشدا في مدينة القيروان يوم الأحد طالبوا فيه بدور أكبر للإسلام وسط غياب ممثلين عن حركة النهضة التي هاجمها زعيم "حركة أنصار الشريعة، سيف الله حسين، الشهير بأبي عياض، في إحدى خطبه وهدّدها من مغبة استهداف الجهاديين في تونس أو التضييق على تحركاتهم.
ويصعب قياس حجم الحضور الشعبي للجماعات السلفية في تونس، إلا أنه من المؤكّد أنه بات لها قاعدة جماهيرية تثير قلق الأغلبية ذات التوجه العلماني والليبرالي واليساري المعتدل.. التي تتهم الحكومة، التي تقودها حركة النهضة الإسلامي، باستعمال السلفيين كذراع امني للتستر وراء أفكارها المتشددة؛ وهو ما تفنيه حكومة الجبالي، التي منحت، مؤخرا أول ترخيص لحزب سلفي في تونس بما يتعارض مع قانون الأحزاب الذي يمنع تأسيس الأحزاب على خلفية دينية أو طائفية؛ وتقول حركة النهضة إنها ترغب في الحوار مع هذه الجماعات بدل اقصائها. وكثيرا ما يغتنم رئيس الحركة راشد الغنوشي منابر الإعلام ومنابر المساجد ليؤكد أن "السلفيين هم إخواننا وأبناؤنا من حقهم أن يؤسسوا أحزابا طالما عبروا عن أفكارهم بطرق سلمية".