أمير طاهري
لا يزال نظام الخميني يتشبث بثلاثة آمال بائسة، خوفا من العزلة في الوقت الذي تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط شكلا جيوسياسيا جديدا.
ويتمثل الأمل الأول في إنقاذ النظام البعثي الحاكم في دمشق، حتى ولو كان ذلك يعني تقبل أعباء مادية لا يستطيع الاقتصاد الإيراني المنهك تحملها، أما الثاني فيكمن في منع إحياء العراق كمنافس محتمل، في حين يتمثل الأمل الثالث في استغلال الأزمة السياسية والاجتماعية الموجودة في الب حرين من أجل الاستحواذ على السلطة.
في سوريا، تقوم استراتيجية الملالي على تصوير الثورة على أنها مؤامرة غربية لمعاقبة نظام يفترض أنه جزء من «المقاومة أو الممانعة»، وتزعم إيران أن الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون لإقصاء القوى المعادية الحالية أو المستقبلية مثل إيران وروسيا والصين من المنطقة.
ويتمنى الملالي تأجيل سقوط نظام الأسد، بحث يكون لديهم متسع من الوقت لزيادة نفوذهم في جنوب العراق، وهو ما يمثل أملهم الثاني.
وقد يتأثر الشعب العراقي بانتصار إخوانهم في سوريا، ويرى أن دولته قوية بما يكفي لتجنب أي هيمنة جزئية أو كلية من جانب إيران.
وتتمثل خطة طهران بالنسبة للعراق في تشجيع إقامة دولة منفصلة للشيعة في الجنوب تحت اسم الفيدرالية، وهو ما يمكن إيران من السيطرة على مركز العقيدة للشيعة في النجف، وبالتالي تستبق أي تهديد محتمل للفكر الخميني.
ومن الواضح أن علي خامنئي، «المرشد الأعلى» للنظام الخميني، يفتقر إلى المؤهلات التي تجعله قائدا روحيا للشيعة في العراق ولذا تعمل أجهزة الأمن الإيرانية على سيناريو آخر يقوم بموجبه أحد الملالي من ذوي المراتب المتوسطة بدور آية الله ومرجع التقليد للشيعة في العراق.
إن الملا المقصود هو محمود الشاهرودي والمدرج اسمه بقائمة الموظفين العاملين بالحكومة الإيرانية منذ ثلاثة عقود. وبادئ ذي بدء، كان الشاهرودي عضوا بإحدى الجماعات التي شكلها الحرس الثوري الإيراني لمحاربة صدام حسين. وبعد ذلك، ارتدى عباءة الملا وتحول إلى رجل دين، ويترأس حاليا لجنة استشارية ملحقة بمكتب خامنئي.
وبينما تحاول طهران الآن إمداد النظام السوري بالمال والأسلحة، فإن خطة إيران بشأن العراق تكمن في السيطرة من خلال شبكة دينية تدعمها قوات شبه عسكرية خاضعة للحرس الثوري الإيراني.
وتتسم الخطة الخاصة بالبحرين بأنها أكثر وضوحا، لأنها تهدف إلى ضم أرخبيل الجزر اعتمادا على ادعاءات إيران التاريخية.
وفي مقالتها الافتتاحية يوم الثلاثاء الماضي، أكدت صحيفة «كيهان» الإيرانية اليومية، التي ينشرها مكتب الإرشاد، على أن «البحرين جزء من إيران»، وأن «غالبية الشعب البحريني ينظر إلى البحرين باعتبارها جزءا من إيران.. ويجب أن تعود للوطن الأصلي وهو إيران».
وفي مقال سابق، ذكرت نفس الصحيفة بالأحداث التي وقعت عام 1970 والتي تحولت بمقتضاها من دولة تحت الوصاية البريطانية إلى دولة مستقلة.
وخلال الأسابيع الأخيرة، كانت هناك مؤتمرات أكاديمية لكي «تثبت» أن البحرين جزء من إيران، وأصبح هذا شيئا مألوفا في الحوزات الإيرانية. وطبقا للفولكلور الخميني، كان قرار الشاه بقبول «بعثة التقييم» التابعة للأمم المتحدة من أجل تقرير مصير البحرين هو «خيانة عظمى».
ومن أولى الخطوات التي اتخذها الخميني عقب استيلائه على السلطة عام 1979 تكوين ما يسمى بجيش تحرير البحرين والذي حاول غزو البحرين باستخدام عدد قليل من القوارب، ولكن تم إيقافها من قبل البحرية الإيرانية التي كانت لا تزال خاضعة لسيطرة حكومة رئيس الوزراء مهدي بازركان. وعقب استيلاء «الطلبة» على السفارة الأميركية في طهران في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1979 وغزو العراق لإيران في شهر سبتمبر (أيلول) عام 1980، تم إرجاء فكرة غزو البحرين.
وفي الحقيقة، كان تدخل طهران في كل من سوريا وإيران والبحرين له تأثيرات سلبية مزدوجة، ففي سوريا، أدى التدخل الإيراني إلى زيادة الخسائر البشرية قبل الفترة الانتقالية التي تبدو أنها قد أصبحت شيئا محتوما ولا مفر منه. وقد أعطى هذا التدخل لما يعتبر في الأساس صراعا داخليا على السلطة بعدا خارجيا لا يستطيع الشعب السوري التحكم فيه. وفي العراق، منع التدخل الإيراني تعزيز حالة الإجماع الوطني التي تشكلت عقب سقوط نظام حزب البعث عام 2003 والصراعات الدموية خلال الفترة بين عامي 2004 و2009.
ويتعين على العراق أن يجد طريقه للخروج من تلك المشكلة وأن يقوم بإعادة بناء هياكل الدولة. وعلى الرغم من ذلك، ارتفعت تكلفة القيام بذلك نتيجة التدخل الإيراني. وبالمثل في البحرين، فإنه من غير المحتمل أن يوافق غالبية البحرينيين الذين يبحثون عن مزيد من الإصلاحات والمشاركة بشكل أفضل في السلطة، على العيش تحت حكم ولاية الفقيه (حكم الملا)، ولن يكونوا على استعداد للتضحية بمصالحهم الوطنية لحساب نظام يعاني بشدة داخل إيران نفسها.
وعلاوة على ذلك، فإن المغامرة الثلاثية التي قام بها خامنئي في سوريا والعراق والبحرين كان لها تأثير سلبي على مصالح إيران نفسها كدولة قومية.
ولا توجد أي مصلحة لإيران، سواء كدولة أو كشعب، في تمكين نظام الأسد من قتل السوريين في المدن والقرى السورية، كما لن تحصد إيران أي مكاسب من نشر بذور التفرقة والعنف في العراق ومنع التوصل إلى إجماع وطني في البحرين.
ومرة أخرى، وفي هذه الحالات الثلاث الهامة، فإن مصالح إيران كدولة قومية لا تتطابق مع مصالح إيران كوسيلة للآيديولوجية الخمينية.
نقلا عن جريدة "الشرق الاوسط"
.