العرب أونلاين
دقّ المخرج المصري يسري نصر الله ناقوس الخطر حول الصعوبات التي تعيشها صناعة السينما في مصر منذ ثورة 25 كانون ثان/يناير التي كانت نتيجتها صعود التيار الإسلامي، في موقف يتبناه أيضا الفنانون والمثقفون في تونس الذين يؤكدون أن حرية التعبير" الفني والثقافي باتت مهدّدة في بلدان "الربيع العربي"، وسط مخاوف من خطر مقص "الرقيب الإسلامي" على الحريات وانتشار "ذهنية التحريم" التي تهدد الابداع بعد تكرر حوادث الاعتداء على الفنانين من قبل جماعات تعتبر الفن "خطيئة".
تخشى النخبة العربية من مثقفين ومبدعين من أن يؤدي صعود الإسلاميين إلى السلطة ومراكز القرار إلى فرض سيطرتهم على مجال الفن والابداع وفرض الرقابة على أعمالهم على غرار ما تردّد مؤخرا في الأوساط المصرية من أن "مقص الرقيب الإسلامي،" سيتدخل لحذف أي مشاهد يعتبرها "مخلة بالآداب" في أفلام لكبار الفنانين بمصر والعالم العربي.
وعبّر عن ذلك المخرج المسري يسري نصر الله، خلال تواجده في مهرجان كان حيث يشارك بفيلم "بعد الموقعة"، الذي يتناول أوضاع المصريين في مرحلة ما بعد الثورة، قائلا إن المبدعين في مصر يتطلعون إلى أن تستمر السينما رغم رؤية الإسلاميين لها على أنها خطيئة.
ويأتي تصريح نصره الله فيما لاتزال قضية الحكم على عادل إمام بتهمة التهكم على الدين الإسلامي في أعمال سينمائية له تثير الكثير من الجدل في الساحة الفنية المصرية، حيث أثارت هذه القضية القلق والمخاوف من ازدياد حجم القضايا التي تطال المبدعين والمحتوى الفني والإعلاني والتلفزيوني، بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وخاصة بعد استحواذ التيارات الإسلامية على الأكثرية البرلمانية، وما تبعه من إثارة قضايا ضد فنانين وشخصيات عامة، من ذلك الحكم القضائي الأخير بمصر بوقف بث إعلان "وديع" لقنوات ميلودي، ومطالبة أحد نواب البرلمان المصري بمنع عرض مسرحية "مدرسة المشاغبين" الشهيرة لأنها تشوّه التعليم وتسيء للمعلّمين.
وتصاعد الموقف في مصر بعد أن أقدمت جماعة محسوبة على التيار السلفي على حرق تمثال المخرج السينمائي الراحل محمد كريم في مدينة السينما.. وقد أحدث حرق التمثال غضبا شديدا اعتراضا على ماحدث حيث اعتبر الدكتور فاروق إبراهيم أستاذ النقد السينمائي بمعهد الفنون المسرحية أن ما حدث يمثل ردة ثقافية للابداع وفهم خاطئ للفن لأن التمثال ليس المقصود منه ان يعبده الناس وحرقه أو هدمه ليس من الدين في شيء والإمام محمد عبده نفسه أباح التمثل والتصوير والنحت طالما أنها لأغراض جمالية وفنية وهذه كانت نظرة حديثة ومتمدنة للفن".
وفي ردّه على المحاكمة التي تعرض لها عادل إمام وأعضاء فريق "طيور الظلام" أعلن السيناريست المصري وحيد حامد أنه قرر بالاتفاق مع المخرج شريف عرفة تقديم جزء ثان من الفيلم الذي قدم جزءه الأول قبل سنوات وذلك كشف هذه التيارات الرجعية المتخلفة وتعريتها أمام المجتمع كي لا ينخدع بها أحد، ولا بشعاراتها البراقة التي تتاجر بها للحصول على مكاسب سياسية.. مشيرا إلى أن "أيّ تيار لن يتمكّن مهما كانت قوته من تقييد حرية التفكير والرأي والإبداع، خصوصاً في عهد السماوات المفتوحة".
وفي تونس لا يختلف حال المثقّفين والمبدعين كثيرا، حيث اندلعت مواجهات بين الفنانين ومجموعة من الإسلاميين بلغت حدّتها خلال الاحتفال باليوم العالمي للمسرح حيث تعرّض مجموعة من الفناني للضرب والتعنيف المادي واللفظي على أيدي مجموعة من شباب التيارات الإسلامية المتشدّدة أمام المسرح البلدي؛ وقد سبق هذه المواجهات تهشيم واجهة قاعة "سينما أفريكار" في العاصمة تونس، كما تعرّض المخرج السينمائي نوري بوزيد لحاثة اعتداء خلفية مواقفه التي تدافع فيها العلمانية في تونس..
وفي حادثة أخرى منع مجموعة من أتباع التيار السلفي الكاتبة ألفة يوسف المعروفة بكتاباتها الجريئة حول الاسلام والمفكر التونسي يوسف الصديق من تقديم محاضرة حول "التعصب الفكري".. وقال المفكر التونسي إن السلفيين هددوه "بالضرب" إن اقترب من دار الثقافة بمدينة قليبية بمحافظة نابل "شمال شرق"، التي نكسوا فوقها العلم التونسي ورفعوا مكانه راية سوداء يرمز بها إسلاميون إلى "دولة الخلافة".
وقد أثارت حوادث الاعتداء المتكررة كثيرا من الاهتمام خاصة في ظل ما تعيشه الساحة السياسية التونسية منذ صعود التيارات الإسلامية المتشدّدة على وقع معركة أيديولوجية أساسها العلمانية وحرية التعبير. وتعلق على ذلك المخرجة السينمائية التونسية سلمى بكار قائلة إنها تود أن ترى ثورة أخرى، ولكن ثورة ثقافية هذه المرة.. وتضيف في حديث لوكالة "آي بي إس":" هؤلاء "الخاسرون ثقافيا" هم المشكلة الكبرى في تونس اليوم، بل وأكثر من العاطلين عن العمل البالغ عددهم الآن 800.000، بل وحتى الشباب الذين ذهبوا إلى الكليات والجامعات... فقد أفرغت عقولهم من أي شكل من أشكال حرية التعبير، فتوجه البعض منهم نحو التعصب".