انتشرت بين الأوساط الدبلوماسية المغربية المعتمدة بسفارة المملكة بباريس حالة من الإنزعاج والجزع بعدما أعلن مدرسو اللغة العربية والثقافة المغربية بأوروبا نيتهم القيام بوقفة احتجاجية حاشدة يوم الاثنين 14 ماي 2012 أمام مقر السفارة. وقفة من شأنها أن تحرج المسؤولين المغاربة، خصوصا وأنها تتزامن مع الزيارة التي يقوم بها العاهل المغربي لفرنسا.
كشفت مصادر أنه إنتشرت بين الأوساط الدبلوماسية المغربية المعتمدة بسفارة المملكة بباريس حالة من الإستنفار والإنزعاج بعدما أعلن مدرسو اللغة العربية والثقافة المغربية بأوروبا نيتهم القيام بوقفة احتجاجية حاشدة يوم الاثنين 14 ماي 2012 أمام مقر السفارة. وجاء هذا القرار، بحسب مصادر بعد الجدل الكبير الذي صاحب الكشف عن الخروقات والتجاوزات الإدارية والمالية التي تعاني منها هذه الفئات من الموظفين المغاربة منذ أكثر من عقدين من الزمن، أو بالأحرى منذ إفادتهم إلى الخارج من طرف مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، للعمل بدول الاستقبال تحت سلطة وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية.
وكان قد طالب هؤلاء المدرسون الحكومة المغربية بفتح تحقيق استعجالي في انتهاك الجهات المسؤولة لحقوقهم الدستورية والإدارية بزرع التمييز الإداري بين العناصر المكونة للجسم التعليمي المغربي بالخارج من جهة، وبين هذا الجسم وباقي الموظفين المغاربة في وضعية الإلحاق من جهة أخرى.
وهذه سابقة ليست الأولى من نوعها، فبعدما استثنت هذه الجهات الجسم التعليمي المغربي بالخارج من الاستفادة من التعويض اليومي عن الإقامة ومن السعر التفضيلي المعمول بهما لفائدة الموظفين المغاربة العاملين بالخارج، تورطت مؤخرا في عملية إقصاء جميع المدرسين من اتفاقية التغطية الصحية التي أبرمتها وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية مع الجهات المختصة، مما أثار التوتر في علاقة مدرسي أوروبا بهذه الجهات وكذا بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون باعتبارها جهة وصية تخلت عن واجبها المعنوي نحوهم وأخفقت في تطبيق التزامات الاتفاقية الاجتماعية المغربية الفرنسية.
وقال أحد منظمي التظاهرة في باريس: “نحن نناشد رئيس الحكومة السيد بنكيران لفتح تحقيقات في الأساليب غير القانونية التي تتبعها مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج في التعامل مع الأساتذة وفي تدبير هذا الملف الحساس في تحديد الهوية الوطنية والثقافية والعقائدية المغربية بالخارج. إنه تدبير كارثي يعرقل حياتنا الإدارية بكيفية لافتة وفي نفس الوقت يستهدف مباشرة المستقبل الهوياتي للآلاف من أبناء الجالية المغربة بأوروبا. نحن نعتقد أن هذا الأسلوب يسير في الاتجاه الخطأ ولا يليق بالوضع العام المغربي الجديد المبني على الديمقراطية وحقوق الإنسان، الشفافية والحكامة الجيدة ”.
وجاء في البيانات المتعددة الصادرة عن تنسيقيات الجسم التربوي المغربي بالخارج أن الأساتذة لا يطالبون سوى بتطبيق مقتضيات قانون الوظيفة العمومية والنصوص التشريعية والتنظيمية المكملة له دون قيد أو شرط جديد. ومن جانبه قال أحد ممثلي المدرسين بأوروبا: “إن وقت وطاقات الجهات المسؤولة ينبغي أن يتم استخدامه في حماية وضمان حقوقنا المشروعة والعادلة، وليس في التجسس على مجموعات من المدرسين على أساس قناعاتهم الإدارية والحقوقية”.
ويذكر أن الكشف عن الاختلالات الوظيفية المتعلقة بهذا الملف قد دفع ائتلافا يضم كبرى تنظيمات المدرسين المغاربة بالخارج إلى التهديد بسحب الثقة من الجهة المسؤولة عن ملفهم وتعليق العلاقات معها إن لم تقم بواجبها التدبيري حسبما تنص عليه مقتضيات القانون الإداري المعمول به في هذا المضمار. وجدير بالذكر أن أغلبية ساحقة من المدرسين تدعم هذا القرار. هذا ودعت هذه المنظمات مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج إلى التراجع على قراراتها التعسفية المتخذة في حق الزملاء المطرودين، وتعويضهم ماليا إن اتضحت ضرورته.
وعن النتائج التي ستسفر عليها هذه المحطة، صرح آخر من ممثلي المدرسين بأوروبا أن جميع المؤشرات تدفع بالحكومة المغربية في اتجاه أخذ القرار الصائب لأن الوضع أصبح لا يطاق بالنظر للظرفية السياسية الراهنة واعتبارا لدينامية تنزيل الدستور الجديد التي تسود في المغرب. مغرب الحق والقانون، والحريات الفردية والجماعية. وما يزعج السلطات الدبلوماسية والاستخباراتية المغربية بسفارة المملكة هو احتمالية دخول المنظمات الحقوقية والنقابية الفرنسية والأوروبية على الخط، لأن أعدادا كبيرة من هؤلاء الأساتذة يحملون جنسيات أوروبية ويخضعون بالتالي لقانون الشغل الأوروبي الوطني والقاري.
حاولت هذه السلطات إقناع المسؤولين المغاربة بضرورة إيجاد حلول عاجلة لهذه المعضلة، كما فعلت كل ما في وسعها محليا لاجتناب هذه الوقفة باعتبارها خدش في سمعة الوضع المتقدم الذي يحظى به المغرب لدى الاتحاد الأوروبي، لكن رد فعل مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج لم يرق إلى مستوى توقعاتهم وتطلعات المدرسين الضحايا. الإشكالية تجاوزت اختصاصات هذه السلطات لتصبح من مسؤوليات الحكومة الحالية في ظل الدستور المغربي الجديد الذي يخول لرئيس الحكومة صلاحيات واسعة، سيما وأن بنكيران قد أصر في برنامج حزبه الانتخابي على ضرورة إعادة هيكلة مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين أو حلها.
دنيا الوطن