حسن الأشرف
عرفت نسبة زواج الأقارب تراجعا ملحوظاً في المغرب حيث بلغت خلال السنة المنصرمة حوالي 15.25 في المئة من مجموع الزيجات المُبرمة في البلاد، وفق إحصاءات جديدة للمعهد الوطني للصحة، فيما كشف تقرير صدر حديثا عن المندوبية السامية للتخطيط عن انخفضت من 29.3 في المئة إلى 21 في المئة لهذا النوع من الزواج خلال الفترة الممتدة بين 2009 و2010.
وعزا محللون ضعف نسبة زواج الأقارب، أو ما يسميه البعض "الزواج الداخلي"، في عدد من مناطق المغرب إلى التغيرات العميقة التي مست بنية الأسر المغربية، وإلى هيمنة قيم الفردية داخل المجتمع، فضلا عن عامل الخوف من التداعيات الصحية الخطيرة المحتملة على أبناء هذا النوع من الزواج.
وجدير بالذكر أن نسبة زواج الأقارب في المغرب ـ 15.25% ـ تعد ضعيفة جدا قياسا بالمعدلات المسجلة في غير دول لمثل هذا النوع من الزواج، ففي الأردن النسبة تصل الى 55 في المئة، وفي الكويت 54 في المئة، وفي الجزائر 36 في المئة.
تحولات الأسر
وجاء في البحث الوطني الذي أنجزته أخيرا المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة زواج الأقارب سنة 1987 بلغت 33 في المئة، لتنخفض إلى حوالي 29.3 في المئة بعد مرور ثمان سنوات، ثم وصلت النسبة سنة 2010 إلى 21 في المائة، وهو ما يعني تناقصا تدريجيا في معدلات هذا النوع من الزواج بالمغرب.
وسجل البحث الميداني ذاته أن انخفاض زواج الأقارب شمل المدن والقرى على حد سواء، حيث إنه بالنسبة للوسط القروي انخفض الزواج الداخلي من 33 إلى 22 في المئة، بينما انخفض في الوسط الحضري من 26 إلى 19 في المئة.
وأرجع الباحث في علم الاجتماع الدكتور أحمد شراك انخفاض معدلات زواج الأقارب إلى التحولات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية العميقة التي مست الأسرة المغربية في السنوات الأخيرة، حيث اتجهت الأسرة من شكلها الممتد إلى الأسرة النووية التي تقتصر على الأب والأم وأبنائهما، عوض الأسرة الكبيرة التي كانت تجمع العائلة كلها تحت سقف واحد، مما كان يشجع على زواج الأقارب حينها.
وأضاف شراك أن طغيان القيم الفردانية التي ترتكز على الإعلاء من قيمة الفرد والاعتناء بالذات أكثر، ساهم بشكل مؤثر في تراجع نسبة زواج الأقارب، مشيراً الى سريان بعض الأمثلة الشعبية التي تفيد بسلبيات هذا النمط من الزواج.
الأمراض وضيق العلاقات
ومن جهته أكد سمير برقية الطبيب المختص في الجينات الوراثية أن العامل المرتبط بالصحة أثر سلبا على زواج الأقارب بالمغرب، مذكراً باحتمال وجود إعاقة معينة لدى الأولاد الذين يأتون ثمرة هذا النوع من الزواج.
وشرح برقية أن نسبة الإصابة بمرض وراثي ذي طبيعية جينية أساسا يصل إلى حوالي 5 في المئة في زواج الأقارب، وترتفع النسبة أكثر إذا كانت هناك أمراض وراثية مسبقا في الوسط العائلي، بينما لا تبلغ نسبة الإصابة بهذا الداء في الزواج العادي سوى 2 في المئة، وفق إحصاءات طبية وعلمية كثيرة.
يذكر أن الرافضين لزواج الأقارب يرون أنه يضيق العلاقات الاجتماعية في إطار عائلة واحدة لا تتجدد دماؤها، الأمر الذي يثير مشاكل تواصلية عديدة خاصة إذا ما وقعت المشاكل بين الزوجين لتنتقل تلقائيا إلى عائلات الأعمام والأخوال.
وبالرغم من انحسار زواج الأقارب في المغرب فإنه ما يزال يتواجد بكثافة في بعض المناطق بالتحديد، من قبيل منطقة الريف في الشمال، أو في الصحراء أيضا، حيث تتجه الأسر في غالب الأحيان إلى تزويج أبنائها من بنات العائلة نفسها، من أجل الحفاظ على التماسك العائلي وصون الممتلكات.