رشيد العدوني
لا تشكل القضايا التي أثارها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير- والتي خصصت لها المقال السابق- سوى صورة مصغرة للحالة التي تعيشها الجامعة المغربية بعد نهاية عشرية التعليم وفي الموسم الأخير للبرنامج الاستعجالي لتربية والتكوين، وهي صورة عاكسة لاختلالات عميقة تعيشها المنظومة الجامعية سواء على مستوى سوء التدبير وغياب الحكامة، أو على مستوى الفساد المالي والإداري، أو على المستوى البيداغوجي الذي يهم الطلبة بالدرجة الأولى والذي عبرت عنه مؤشرات ارتفاع الهدر الجامعي والانخفاض المهول في الأطر والموارد البشرية، إضافة إلى الهوة الموجودة بين نوعية التكوين وسوق الشغل... فكيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع هذه المعطيات ذات الدلالة الواضحة والعواقب الوخيمة؟ ما هو العلاج الذي يقترحه الدكتور الداودي لهذه الأمراض والإشكالات البنيوية والعميقة؟
بالرجوع إلى العرض الذي ألقاه وزير التعليم العالي أمام لجنة القطاعات الاجتماعية أثناء مناقشة قانون المالية 2012 يوم الجمعة30 مارس2012، نعثر على أهم العلاجات المقترحة ، وقد تضمن العرض خمس محاور تتضمن على تسع مشاريع، تركزت فيما يلي:
المحور الأول: تحسين عرض التعليم العالي:
ويضم مشروعين يتعلق الأول بمواجهة الطلب المتزايد على التعليم العالي (توسيع الطاقة الاستيعابية وتوفير الموارد البشرية اللازمة). ويتعلق المشروع الثاني بتحسين وتنويع العرض التربوي ويهم إنشاء كليتين للطب والصيدلة بكل من جامعتي ابن زهر بأكادير وعبد المالك السعدي بتطوان، وإنشاء ملحقة تابعة لجامعة القرويين بالسمارة ومدرسة وطنية للتجارة والتسيير بالداخلة تابعة لجامعة ابن زهر بأكادير ، إضافة إلى خلق مراكز للتكوين والتأهيل في اللغات، وتطوير بعض الكليات المتعددة التخصصات بتحويلها إلى مؤسسات تعنى بتخصصات واعدة.
المحور الثاني: تحسين حكامة تدبير القطاع :
ويضم ست مشاريع تهم إحداث الوكالة الوطنية للتقييم و إحداث مرصد وطني للملاءمة بين التكوين وحاجيات المحيط الاقتصادي والمهني، وإرساء نظام إعلامي شامل ونظام إحصائي يعتمد على تعميم APOGEE على جميع المؤسسات الجامعية، وتأهيل النظام المعلوماتي للإدارة المركزية ووضع برنامج مندمج للتدبير المالي ولمحاسباتي للجامعات المغربية وإعادة هيكلة الوزارة والجامعات.
المحور الثالث: تطوير منظومة البحث العلمي والتكنولوجي والابتكار:
ويهم إدماج بنيات البحث في إطار أقطاب متجانسة واستشراف الميادين العلمية والتكنولوجية الواعدة مع تقوية وتحديث بنياتها.و كذا تحيين الإستراتيجية الوطنية للبحث العلمي والتكنولوجي في اتجاه مواكبة حاجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا.
المحور الرابع : دعم وتطوير الخدمات الاجتماعية لصالح الطلبة:
ويضم مشروعين، يتعلق الأول بتوسيع قاعدة الممنوحين وتطوير خدمات الإطعام والإيواء، ويهم الثاني توسيع قاعدة الطلبة المستفيدين من منح التعاون وتنويع وجهات الاستقبال
المحور الخامس: مراجعة الترسانة القانونية المنظمة لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر:
وتهم إخراج مشاريع قوانين تتعلق أساسا بمشاريع مراسيم بتغيير وتتميم المراسيم المتعلقة بالتعليم العالي الخاص؛ وما يتعلق مشروع مرسوم يتعلق بالنظام الأساسي الخاص بالأساتذة الباحثين.
وتلخص هذه المحاور سياسة الدودي في قطاع التعليم العالي بالمغرب ومن خلالها، يمكن إبداء الملاحظات التالية:
- العرض الوزاري يعتبر استدراكا على البرنامج الاستعجالي الذي هو ذاته استدراك على الإصلاح الجامعي، كما أن العديد من نقطه كان يفترض تطبيقها سابقا بعد أن تم التوقيع على 17 عقد من اجل الجامعة المغربية في اكتوبر2009.
- يمكن اعتبار عرض الوزير استمرارية و لكن في نفس الوقت مراجعة لاختلالات جزئية، مما يجعل السياسة الوزارية مترددة بين ضرورة الاستمرارية في نفس التدبير السابق أو بين المراجعة و إعادة تأسيس مشروع جامعي جديد يعيد ترتيب الوضع البنيوي والبيداغوجي والاجتماعي والإداري للتعليم العالي.
- وضع عرض السيد الوزير لتواريخ متناقضة، فنجده يتحدث عن برنامج السنة الحالية 2012 في بعض المواضع وعن مرحلة 2012-2016 في مواضع أخرى، مما تجعلنا نسير بوتيرتين مختلفتين، كما أن ذلك يؤثر على مبدأ المحاسبة، وهل نحن امام إجراءات استعجالية أم امام مخطط سنوي ام امام مخطط مرحلي جديد؟؟
- بالنسبة لتوسيع البنية التحتية مبدئيا هي مبادرة جيدة وتستحق التنويه، غير أنها لم تستوعب كل المطالب، وهو ما يجعلنا نتساءل عن المعايير في أسبقية جامعة ما على جامعة أخرى؟ فهناك جامعة أسفي والعرائش أحوج إلى هذه الإجراءات ... ولماذا لا تتبع كلية الشريعة بالسمارة- المزمع بناؤها- لجامعة القرويين بدل ابن زهر؟؟ من أجل تقوية جامعة القرويين وما تزخر به من رمزية علمية وتاريخية.
- بالنسبة للغات: هناك نوع من التبسيط في المسألة اللغوية من خلال الرفع من عدد الساعات والحصص في اللغة وهو ما يؤدي إلى القفز عن التعاطي البيداغوجي الرزين مع هذه المشكلة الحساسة، وكيف سيتم معالجة هذه المشكلة في التعليم العالي في انفصال عن المستوى الثانوي التأهيلي والإعدادي والابتدائي؟؟؟
- الأنظمة المعلوماتية المستخدمة بالجامعة: كيف يمكن أن نتصور وزارة في العقد الثاني من الألفية الثالثة ولازالت تتحدث عن" تأهيل النظام المعلوماتي للإدارة المركزية"، وكيف يمكن أن تستمر الوزارة في الحديث عن تعميم نظام APOGEE الذي اقتنته الوزارة والجامعات منذ سنوات بميزانيات باهضة، وبقي بدون اشتغال في عدد من الكليات، كما أن عددا من الطلبة راحوا ضحية هذا النظام بسبب أخطاء في تشغيله وسوء استعماله؟؟
- بالنسبة للتعاون الدولي : هناك اتفاقيات عديدة للجامعات المغربية مع نظيراتها بالخارج ولا يعرف الرأي العام المغربي والجماعي خصوصا من وكيف تمم الاستفادة منها؟؟؟ ومنها ما أشار له تقرير المجلس الأعلى للحسابات بخصوص جامعة محمد الخامس أكدال بالرباط.
إن المطلع على العرض الحكومي أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب والذي يعكس رؤية وزارة التعليم العالي بقيادة الدكتور لحسن الداودي يخلص إلى أن مشروع الوزير الجديد هو دورة استدراكية أخرى للإصلاح الجامعي الفاشل، وهي دورة لا يمكن أن تخرج نتائجها عن الفشل بالنظر لكون المنطلقات الأساسية والأرضية المنتجة للإصلاح الجامعي و للبرنامج الاستعجالي لم تتغير... وطالما لم تتغير المقدمات فلن تتغير النتائج.
إن التأمل في هذه يحق لنا أن نتساءل عن الرابط بينها والخيط الناظم لها؟ ما هي الجامعة التي ترمي إليها سياسة الداودي؟ ما موقع البرنامج المتعلق بالتعليم العالي داخل التصريح الحكومي الذي تعهد بإقامة مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة وحفظ كرامة الطالب؟
كيف يمكننا المضي في سياسة "الترقيع" والاستدراك والاستعجال وسد الثغرات في البرنامج الاستعجالي بدون وقفة حقيقية مع هذا البرنامج؟
أليست المؤشرات الفاضحة التي تطرق لها تقرير المجلس الأعلى للحسابات كافية لإعادة النظر في المنظومة الجامعية المعطوبة ككل؟
ألم يحن الوقت بعد لكي نعود إلى الأسس التي حكمت اختياراتنا في الجانب البيداغوجي والاجتماعي، وفيما يرتبط بالحكامة الجيدة وبالبحث العلمي، وتوفير الشروط المادية والقانونية والمعنوية لبناء جامعة وطنية لا تكتفي بتلقي المعرفة ولا تقف عند تبادل المعرفة، بل تصل إلى إنتاج المعرفة، وتخرج الأطر والكفاءات لبناء النهضة الوطنية المنشودة.
وإذا كانت الوزارة الوصية قد وضعت يدها على بعض الجروح التي تعاني منها الجامعة، وإذا كان إحداث هيئة وطنية للتقييم يمكن أن يؤسس للمراجعة المطلوبة لمنظومة التعليم، غير أن ذلك يتطلب تفادي تعويم هذه النقطة و إفراغها من مضمونها الحقيقي والحرص على ضمان استقلاليتها وحيادها في التقييم وكذا انفتاحها على كافة الفاعلين في الشأن الجامعي.
إن أخطر ما في الأمر أنه الزمن المغربي الحالي لا يقبل بتأجيل موعد الإصلاح الحقيقي للتعليم العالي، ولا يقبل أن يخطئ المغرب موعده مع التاريخ مرة أخرى... علما أن الجامعة إما أن تكون منتجة للمعرفة والتقدم والرقي والاستقرار الاجتماعي، وإما أن تكون منتجة للجهل والبطالة والاحتقان الاجتماعي وما بعده من عواقب.