لالة كلثوم الإدريسي / تنغير
أن تكون غائبا حاضرا أفضل من أن تكون حاضرا غائبا، فبعضنا يحيا فوق الأرض من دون حياة، فوجوده وغيابه سيان، كأنه غير مرئي، وهناك من يموت ولكن ذكراه في وجدان محبيه تظل خالدة ابد الدهر، فليس بالضرورة أن يلفظ الإنسان أنفاسه ويغمض عينيه ويتوقف قلبه عن النبض وجسده عن الحركة، كي نحكم عليه ونقول عنه انه فارق الحياة، فبيننا أموات كثر يأكلون ويشربون، ويتحدثون ويضحكون، ولكنهم موتى يمارسون الحياة بلا حياة، فمفاهيم الموت تختلف عند الناس، فهناك من تنتهي الحياة عنده بفقدان عزيز، ويخيل إليه أن الحياة انتهت وان ذلك العزيز على قلبه قد أغلق أبواب الحياة بمجرد رحيله، وان دوره في الحياة قد انتهى وأنها نهاية العالم، وهناك من يشعر بالموت حينما يحيط به الفشل وتحاصره الهموم من كل الاتجاهات، ويكبله إحساسه بالإحباط عن التقدم، وان صلاحيته قد انتهت، والأفضل أن يرمى به في سلة المهملات، وانه لم يعد هناك فوق الأرض ما يستحق بقاءه من اجله، وهناك من تتوقف الحياة في عينيه في لحظات الحزن، ويظن انه لا نهاية لهذا الحزن، وانه ليس هناك فوق الأرض من هو أتعس منه، فيقسو على نفسه بالحكم عليها بالموت، وينفذ فيها حكم الإعدام بلا تردد، وينزع الحياة من قلبه ويعيش بين الآخرين كالميت تماما، فلم يعد المعنى الوحيد للموت هو مفارقة الروح للجسد، فهناك من يمارس الموت بطرق مختلفة ومتعددة، ويعيش كل تفاصيل الموت وهو ما يزال على قيد الحياة..
هناك لحظات تمر علينا نتمنى فيها الموت، ظانين أن الموت هو السبيل الوحيد لوقف سلسلة العذاب التي نعاني منها، ولكن هناك سؤال يجب طرحه؛ ماذا بعد الموت؟؟ نعم ماذا بعد الموت؟؛ حفرة ضيقة، وظلمة دامسة، وغربة موحشة، سؤال وعقاب وعذاب، وإما الجنة وإما النار، فأحباؤنا كانوا هنا ثم رحلوا عنا، ولكن الحياة خلفهم مازالت مستمرة، فالشمس مازالت تشرق، والأيام مازالت تتوالى، والزمن لم يتوقف بعد، ونحن مازلنا هنا، مازال في الجسد دم، وفي القلب نبض وفي العمر بقية، فلماذا نعيش بلا حياة؟ ونموت بلا موت؟ إذا توقفت الحياة بأعيننا، فلا يجب أن تتوقف في قلوبنا، فالموت الحقيقي هو موت القلوب، وطالما هناك نفس يصعد ويهبط، والقلب لازال يخفق، فهناك أمل في الحياة، فقد قدر الله وما شاء فعل، وعلينا أن نستعد لليوم الذي تفارق فيه أرواحنا أجسادنا بحق..
الإنسان عندما يولد يؤذن في أذنه من غير صلاة، وعندما يموت يصلى عليه من غير آذان، وكأن حياته في المدة الفاصلة بين الآذن والصلاة، وكلنا نعلم مدى قصر تلك المدة، فهي أشبه بغمضة عين وفتحها، وهكذا يجب أن تقاس، فعجيب حالنا حينما ننغمس ونفني حياتنا في أشياء لا طائل منها، ووقتنا محسوب علينا، وهي أقصر من نضيعها، بضع هنيهات تنتهي بمجرد وصول أجلنا، فلم لا تكون لنا بصمة في الحياة يتذكرنا بها الآخرون، بأن نجعل لأنفسنا هدفا نعيش من أجله، هدف شخصي ننال به العلا، أو أن تكون سعادة وراحة وهناء عائلتنا في الحياة هي هدفنا في الحياة، أو بأن يكون هدفنا ساميا وعظيما ننفع به البشرية جمعاء، فمقدار عظمة الإنسان بمقدار عظمة هدفه في الحياة، فإما أن تكون عظيما أو لا تكون، والعظمة ليست كلمة جوفاء، إنها ببساطة تتمثل في المبدأ، قل لي مبدأ ك الذي تعيش به وله، وسأخبرك عن مقدار عظمتك، هكذا تحسب الأمور، فالحياة لا يجب أن تكون نسبية، فإما أن نعيشها بحق، وإما أن نموت بحق، فالحياة لا تقبل الحلول الوسط..
ودمتم سالمين.
.