إعداد الدكتور نظمي خليل أبو العطا
هجمت أسراب الجراد على المنطقة العربية من موريتانيا إلى عمان، وقد رأينا كيف أحدثت هذه الأسراب الذعر، والخوف في قلوب المزارعين والمختصين، ورأينا كيف أنها قادرة على القضاء على كل أخضر يواجهها ورأيناها تسير في تنظيم عجيب مع أننا نعلم أن هذه الحشرة ذات جهاز عصبي بسيط مكون من بعض العقد العصبية الأولية، ومن هنا يتعجب المرء من هذا التنظيم العجيب في أسراب هذه الحشرة، هذا يوجب علينا النظر إلى هذه الظاهرة من جميع جوانبها العلمية والعقائدية ولا نقتصر على التفسير العلماني لها، والمعلوم أن الجراد يطير لمسافات بعيدة، وقد تقطع الجرادة الواحدة مئة كيلومتر في اليوم الواحد، وتأكل الجرادة الواحدة في اليوم الواحد ضعف وزنها، ويحتوي السرب ملايين الجرادات و يقطع ثلاثمائة وخمسين كيلومتر في الشهر وذلك بما لديها من قدرة عضلية تمكنها من الرفرفة بالجناحين لمدة تصل إلى ستة عشر ساعة في اليوم، ومن المعروف أن أسراب الجراد الطائرة في الهواء تحط ليلاً على النباتات وتجثم على الأشجار لتلتهم كميات من الغذاء تعينها على استئناف الرحلة في صبيحة اليوم التالي، وبذلك يكون أفضل وقت لمقاومة أسراب الجراد بعد الغروب كما قال علماء علم الحشرات.
في الصباح تشرق الشمس وتشعر أفراد السرب الجاثمة على النباتات بالدفء فتبدأ في هز أجنحتها، ثم تطير أفراد منه متنقلة إلى مسافات محدودة داخل منطقة الانتشار، وحينما تزداد حرارة الجو تركب الجرادات تيارات الحمل الهوائية وتطير إلى أعلى وبذلك تبدأ مقدمة السرب في التحليق في منطقة الانتشار، بينما تظل باقي مجموعات السرب في حالة جثوم وهذه تمثل مؤخرة السرب، وهذه المؤخرة لا تقلع إلا بعد أن يأخذ السرب وجهته، وهكذا تحلق المقدمة قبل المؤخرة وبعد أن تصل درجة الحرارة إلى الدرجة العظمى في المكان من (23ـ 40س) فإن السرب يحلق كاملاً في الهواء.
وتوجد من أسراب الجراد الطائرة نوعان (1):
1. السرب الطبقي: وهو يظهر على شكل مساحة مسطحة مكونة من أفراد الجراد المتراصة ويطير هذا النوع من أسراب الجراد على ارتفاعات قليلة لا تزيد عن (300) متر من سطح الأرض.
2. السرب الركامي : ويرى هذا السرب في أكثر ساعات النهار عند سطوع الشمس وتتراكم أفراده فوق بعضها البعض في الجو بشكل مجموعات تشبه البرج، وغالباً ما يطير هذا النوع من الأسراب على ارتفاعات شاهقة تصل إلى ألف متر فوق سطح الأرض ويختلف شكل السرب في الرحلة الواحدة لنوع واحد من الجراد، وذلك بتأثير التيارات الهوائية التي تواجهه، فقد تبدأ الرحلة بشكل طبقي ثم تتغير إلى الشكل البرجي خصوصاً إذا ارتفعت درجة حرارة الجو عن الساعات الأولى رحلة الطيران.
ويختلف توزيع الأفراد داخل السرب من مكان لآخر فيه، فينما نجد حوافه مشكلة من أفراد منتظمين متفقي الحركة والوضع فرؤوسهم جميعاً موجهة إلى الأمام، نجد أن التوزيع في أواسط السرب يكون عشوائياً، ويزيد من عشوائية هذا التوزيع ـ أو الانتشار ـ ما يواجه السرب سرب من تيارات هوائية مضادة.
ومن العجيب أن طلائع السرب إذا شعرت بين الحين والآخر أن مؤخرة السرب قد بعدت عن مقدمته وكاد السرب أن يتمزق شمله وتتشتت أجزاؤه فإن المقدمة تبطئ من حركتها حتى يتمكن المتأخرون من اللحاق بها والالتحام بالسرب و بذا يحتفظ السرب دائماً بشكله تنظيمه، ولا يمكن لأي جراده أن تنفر من السراب وتخرج بعيداً عن هيكله و إطاره العام، فإذا حدث ذلك أسرعت بالدخول ثانية في الجماعة.
من أفضل طرق تشتيت أسراب الجراد إلى الآن استخدام الطائرات في مواجهة الأسراب وبذلك يتم عمل حواجز طويلة من المادة السامة لمكافحة التجمعات الجاثمة على الأراضي المكشوفة خاصة في الأرض الوعرة التي يصعب الوصول إليها.
ويتم الرش بالطائرات من الجو إلى الأرض حينما يكون الجراد مستقراً وجاثماً على الأرض والرش من الجو إلى الجو ويتم ذلك في الأسراب الطائرة والتي تكون في طريقها إلى الاستقرار.
وهكذا نرى كيف أن هذه الجرادة غير العاقلة تتصرف بطريقة مذهلة في التجمع والتوجيه والحل والترحال، وكيف تثير الذعر في قلوب الناس وصدق الله العظيم القائل (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك و لنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) الأعراف 133ـ 136.
فهل نعي تلك الآيات في ضوء أسراب الجراد التي تجتاح المنطقة العربية كل مدة.أم أننا نفسر كل شيء بطريقة علمانية أو غيبية انتظاراً للانتقام والغرق؟ وقد يظن البعض أن الطائرات والمبيدات قادرة على صد أسراب الجراد، ولا يفكر هذا البعض في كمية المبيدات الحشرية السامة المستخدمة و التي تفسد الغطاء النباتي و تسممه، وتهدم دورات الحياة وسلاسل الغذاء وشبكاتها وتفسدها فتحدث خللاً بيئياً يصعب ترميمه