إلى كل المفسدين في الأرض

بقلم: مرشد الدراجي

من غريب الصدف أن يتزامن التحقيق الجاري مع العديد من المسؤولين في مؤسسة القرض العقاري والسياحي المورطين في العديد من الاختلالات التي كشف عنها قضاة المجلس الأعلى للحسابات في تقرير سنة 2009، مع تقديم وإصدار تقرير المجلس ذاته لسنة 2010، الذي كشف هو الآخر عن مجموعة من التلاعبات والاختلالات بالعديد من المؤسسات الوازنة، وإن كان التقرير الأخير أكثر دقة على المستوى الإجرائي، بحيث أنه جرى رفع 13 إلى القضاء، وتحريك 24 في مجال التأديب. مما وضع نوعا ما حدا للإكراه الذي عرفته العديد من الملفات الشائكة التي وردت في التقارير السابقة، من قبيل الجهة المخولة قانونا لتحريك الدعوى. وهذه نقلة نوعية جديدة رفعت بعض أوجه الالتباس التي أثارت جدلا حقوقيا واسعا في إبانها. ونأمل أن تتعزز أكثر بمبادرات موازية تشمل مختلف فعاليات المجتمع المدني لفضح مثل هذه الممارسات الخارجة عن القانون، والتصدي لها بجميع الوسائل المتاحة، كل من موقعه ودائرة اختصاصه.

ولكن ما أشبه اليوم بالبارحة… فالظاهر أن نزيف الفساد الإداري والمالي على مستوى التدبير أو سوء التقدير أو جراء النوايا المبيتة لدى البعض، يستوجب المزيد من التفكير وخلق آليات أكثر فاعلية، وليس هناك أكثر فاعلية من تنزيل مقتضيات الدستور الجديد، لقطع دابر إخطبوط الفساد والإفساد الذي استشرى كثيرا في العديد من القطاعات، وأصبح يشكل إحدى العلامات السوداء التي تحول دون تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص وإحقاق الحقوق والواجبات، وكسب هذا الرهان ليس مستعصيا، رغم جسامة وخطورة هذه الآفة، خصوصا وأن بلادنا تتوفر ترسانة قانونية غاية في الأهمية، أبرزها ما جاء به الدستور الجديد الذي حظي باحترام الدول العظمي العريقة في الديموقراطية، وكذا العديد من المنظمات الحقوقية الوازنة. وفي هذا الإطار لا بأس أن ندرج الفصل 36 من الدستور الجديد الذي أقر بإحداث هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ونص على أن القانون يعاقب «على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي.

“على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات”.

“يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية…”. ولا نعتقد أن هناك نصا أكثر حزما وصرامة ووضوحا في محاربة كل أشكال الفساد، يبقى أن يتم تفعيله بنفس الصرامة والوضوح والحزم، بعيدا عن التعقيدات المسطرية التي كانت في السابق تشكل إحدى العقبات في إعمال القوانين الجاري بها العمل في هذا الإطار.

وهذا هو المدخل الأساس لتكريس الحكامة الجيدة، والترجمة العملية للمبادرات الإصلاحية الرائدة التي انخرطت فيها بلادنا وإعمالها في جميع القطاعات وفي كل ما يتعلق بأوجه صرف المال العام، من أجل القطع مع كل أنواع المحسوبية والزبونية والامتيازات الممنوحة دون وجه حق ولا استحقاق، لبعض المحظوظين والزبائن المميزين، وإعادة خلق مناخ الثقة المؤسسات العمومية ، والتي كان أبرزها الدستور الجديد.

وليعلم كل المفسدين في الأرض أنه لا مكان لهم بيننا بعد اليوم، وليس أمام كل مسؤول إلا اختيارين، لا ثالث لهم، إما أن يكون في مستوى المسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقه، وإما أن يرحل .

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]