مغاربة ونفتخر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 طه عبد الرحمان و"الطريق الثالث" -1-

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ادارة المنتـدى
Admin
ادارة المنتـدى


عدد المساهمات : 1842
تاريخ التسجيل : 01/11/2011

طه عبد الرحمان و"الطريق الثالث"  -1- Empty
مُساهمةموضوع: طه عبد الرحمان و"الطريق الثالث" -1-   طه عبد الرحمان و"الطريق الثالث"  -1- I_icon_minitimeالسبت مارس 17, 2012 7:24 am


إدريس الكنبوري

أصدر الدكتور طه عبد الرحمان، الفيلسوف المغربي العربي المعروف، كتابين بشكل متزامن خلال الشهر الماضي/فبراير، الأول بعنوان"سؤال العمل: بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم "، والثاني بعنوان"روح الدين: من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية"، العمل الأول عبارة عن محاضرات ألقاها طه في مناسبات مختلفة، لكن يجمع بينها موضوع واحد، أما العمل الثاني فهو أطروحة مستقلة قائمة الذات من جهة، وبناء فكري نظري على ما سبق من تراكم فلسفي للرجل من جهة ثانية.

وقبل الدخول في مضامين الكتاب، لا بد من الإشارة إلى بعض النقاط الأساسية التي لا بد منها في قراءة أعمال الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمان. النقطة الأولى تتعلق بالجانب اللغوي، وفيها جانبان: الأول أن فلسفة طه عبد الرحمان منبثقة من البناء اللغوي العربي الصميم، وفي هذا خروج على الكتابات التي تحاول أن تدرس التراث من خارج لغته، لأن منطق الفلسفة العربية نفسه مبني على المنطق اللغوي العربي، والثانية أن عبد الرحمان صاغ من خلال هذه اللغة معجمه الخاص الذي بات اليوم موزعا على مجموع أعماله التي نشرها حتى الآن وهي كثيرة، وفي هذا إشارة إلى أن العمل اللاحق ينطلق من العمل السابق، وفهم الثاني يبنى على فهم الأول. والجانب الثاني يتعلق بالجانب المعرفي، ذلك أن عبد الرحمان سعى منذ زمن بعيد إلى تأسيس فلسفة عربية إسلامية، وكما صنع الفلاسفة المسلمون السابقون حينما استندوا على النصوص الدينية المؤسسة وانفتحوا على الفلسفة اليونانية، ينطلق عبد الرحمان اليوم من نفس النصوص وينفتح على الفلسفة الغربية، وخاصة منها الألمانية والفرنسية، بعدما هضم الفلسفة اليونانية كما فعل الأولون، لكن في لغتها لا مترجمة إلى العربية. أما النقطة الثالثة، فهي أن طه عبد الرحمان يتحرك في فلسفته ووراءه إحاطة واسعة بالتراث الفلسفي العربي الإسلامي، وهو يعتبر امتدادا لحركة التجديد في مسار هذه الفلسفة بعد تخليتها من الرواسب التي يرى أنها تسللت إليها، فهي عملية تجديد من داخل التصحيح. من هنا صعوبة قراءة نصوص طه عبد الرحمان، والكتاب الذي نحاول قراءته لا يشذ عن هذه القاعدة، لكننا سنحاول جهدنا.

هواجس تراثية

هناك فلاسفة مسلمون طرقوا قضية السياسة وعلاقتها بالشرع والدين من زاوية فلسفية في تاريخ الفلسفة الإسلامية، أبرزهم الفارابي في كتابه"آراء أهل المدينة الفاضلة"، وابن رشد في كتابه"تلخيص السياسة" الذي لخص فيه كتاب أرسطو بنفس العنوان، وابن سينا في كتابه"السياسة"، وهناك فلاسفة طرقوا نفس الموضوع من زاوية دينية من بينهم أبو حامد الغزالي في عدة كتب وأساسا"إحياء علوم الدين" و"التبر المسبوك في نصيحة الملوك" و"سر العالمين وكشف ما في الدارين". وقد ناقشت مختلف هذه الأعمال مسائل العلاقة بين الدين والسياسة، علما بأن المفهوم الأخير كان يشير دائما لدى هؤلاء الفلاسفة إلى معنى أوسع من تدبير أمور الدولة والملك، قبل أن يضيق المفهوم في العصر الحديث ويصبح قاصرا على هذا التدبير.

هذه خلفية لا بد منها حتى نضع كتاب طه عبد الرحمان في سياقه التاريخي وفي إطاره الموضوعي(نسبة إلى موضوعه). فالكتاب تجديد للنظر العقلي والديني في قضية العلاقة بين الدين والسياسة يتجاوز ما يفهمه البعض اليوم من هذه العلاقة، بمعنى أن الكتاب غير معني بالربيع العربي مثلا أو بوصول الإسلاميين إلى السلطة في هذا القطر أو ذاك أو حتى بالجدل الذي دار ويدور حتى اليوم بين أنصار الربط بين الدين والسياسة وأنصار الفصل بينهما، أي أنه غير خاضع لأي"تأثير" خارج عنه من هذه المؤثرات، بل هو عملية تجديد فلسفية من داخل النسق الديني الإسلامي، وبمعنى أخر هو"رجوع إلى أصل الموضوع"، من خلال التفكير في أصل الدين. لقد كانت العلاقة بين الدين والسياسة موضوع جدل مستمر في العالم العربي والإسلامي طيلة نحو قرن من الزمن في العصر الحديث، مع أن هذا الجدل لم ينقطع في الماضي أبدا، ولكن جدل العصر الحديث كان يدور بين فريقين أساسيين، الفريق الداعي إلى الربط وهم الإسلاميون، والفريق الداعي إلى الفصل وهم العلمانيون، بيد أن هذا الجدل لدى الفريقين كان جدلا سياسيا في أصله، الفريق الأول يريد استثمار الدين في السياسة، والثاني يريد استثمار السياسة بغير دين، وظل الجانب السياسي لدى الفريقين هو المسيطر على ما عداه، لأن هذا الجدل جعل الإسلاميين يضيقون الدين في السلطة والحكم، وجعل العلمانيين يرون فيه مجرد أداة للسلطة والحكم، فضيع الفريقان معناه.

إبطال المسلمات


هذا الجدل هو ما يسعى كتاب طه عبد الرحمان إلى تجاوزه، ولكي يتجاوزه لا بد أن ينتقد هذا التراكم الجدالي في الموضوع ويستنفذه حتى ينتقل إلى صياغة أطروحته. إنه يعتبر أن مقاربته للموضوع"ذكر لما نسيه "العلماني" وعروج إلى ما قعد عنه "الدياني"(ص17)، وقد أشرنا في الفقرة أعلاه إلى أن دعاة الربط بين الدين والسياسة قصروا الدين على السلطة والحكم، ما استدعى نوعا من العروج أي الارتفاع إلى أبعد من هذا الجانب نحو شمولية الدين، وأن دعاة الفصل بينهما أنكروا الدين نفسه علاوة على أنهم رأوا فيه أداة للحكم والسلطة فقط، ما استدعى تذكيرهم بأن الدين موجود في كل شيء، وأن الإنكار في حد ذاته دين. ولا بد من إشارة مهمة جدا هنا، وهي أن طه عبد الرحمان عندما يناقش العلمانية لا يناقش العلمانية في العالم العربي، بل يناقش العلمانية في أصولها الأوروبية التي تفرعت عنها التصورات الأخرى المنقولة عنها سواء في العالم العربي أو في آسيا وإفريقيا لدى من تأثروا بالفكر الأوروبي حول العلمانية، هو هنا لا يناقش العلمانيين بل يناقش مؤسسي العلمانية أنفسهم وآباءها من الفلاسفة الغربيين.

أولى الأصول التي ينطلق منها الكتاب هي إبطال المسلمات العلمانية، فالمؤلف يرى أن بعض الأفكار"تؤخذ مسلمة بالتقليد، فيسقط تعجب العقول منها لكثرة تداولها"(23)، ومن هذه المسلمات مسلمة قصور الوجود الإنساني التي تقول بأن الإنسان يوجد في العالم المرئي فقط وليس له امتداد روحي، مع أن العلمانية الغربية نفسها في نشأتها تناقضت مع هذه المسلمة عندما أنزلت بعض الأوصاف التي تتصف بها الآلهة الإغريقية على الإنسان، فرفعته إلى مرتبة دينية، وعندما أعطت للدولة بعض المواصفات الشمولية التي أخضعت الإنسان وفرضت عليه عبادتها والخضوع لها باسم السيادة مثلا التي هي صفة منسوبة إلى الذات الإلهية. فالعلمانية في النهاية ـ حسب طه عبد الرحمان ـ هي إنشاء دين آخر غير الدين السماوي هو السياسة، إذ أصبحت تعتبر أن السياسة هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تحقق السعادة للمجتمع وليس الدين، على أساس أن السياسة تهتم بعالم الواقع والدين بعالم الروح. ولكن هذه المسلمة يبطلها المؤلف من خلال قاعدة"تغييب العالم المرئي وتشهيد العالم الغيبي". وملخص هذه القاعدة أن السياسة تصنع من المثل والشعارات ما يتجاوز الواقع المرئي إلى الواقع غير المرئي، ولتقريب مفهوم طه عبد الرحمان يمكن الاستشهاد بما نسميه بـ"الطوباوية" في بعض النظريات السياسية الكبرى كالماركسية مثلا عندما دعت إلى مجتمع بدون طبقات وبدون دولة وبملكية عامة لوسائل الإنتاج، وهذا هو"تغييب العالم المرئي"، أما تشهيد العالم الغيبي فيتمثل في أن الدين منطلقه الغيب أو المثل، لكنه ينتهي بالتشهيد عندما يتحول إلى أعمال وعبادات ملموسة تؤدي إلى الصلاح الاجتماعي، كالصلاة مثلا عندما تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، والمعروف عندما يصبح تضامنا اجتماعيا أو غيره وينعكس على العلاقات بين الأفراد، وغير ذلك، علما بأن هذا المفهوم يتجاوز قضية المعاملات في علاقتها بالعبادات.



,
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elkasmi.mountada.net
 
طه عبد الرحمان و"الطريق الثالث" -1-
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مغاربة ونفتخر :: . :: بـوابــة ديــــن وفلسفــــة-
انتقل الى: