بقلم:أ.د. ناصر أحمد سنه (مقتطف من مقال)
ليس من قبيل المبالغة القول: أنه عبر التاريخ الطويل من العلاقة بين الإنسان ومخلوقات الله تعالى، لم يحظ موضوع بفضول واهتمام الأول قدر فهم اللغة التي يتخاطب ويتواصل بها الطرف الثاني وفك رموزها، واستبيان شيفرتها، وما قد تشكله من خلفيةٍ جيدةٍ لفهم وتفسير بعض خفايا السلوكيات "الغامضة، ومن ثم معرفة كيفية التخاطب/التواصل معها لتفعيل استثمار هذه المخلوقات التي سخرها الله تعالي للإنسان. فضلاً عن أن هذا المجال يُفضي إلي غاية جليلة كبري ـ غاية العلم والتعلم والتعليم النافع ـ هي معرفة الله تعالي حق المعرفة عبر التأمل في كونه ومخلوقاته جل شانه.
برز مصطلح التواصل/ الاتصال Communication وغزت علومه ودراساته مجالاتٍ عدة.. الإعلام والتربية والتعليم والاقتصاد والسياسة الخ، وعلى الرغم من أهمية هذه الجوانب وغيرها للبشر، إلا أننا لسنا وحدنا فوق هذا الكوكب المزدحم بالكائنات التي خلقها الله تعالى، فمعنا "أمم" قد يتفوقون علينا.. عدداً وتنوعاً، وأحياناَ عُدة وقوة :
"وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ، ثم إلى ربهم يُحشرون" (الأنعام:38).
تتواصل بعض الحيوانات البحرية التي تعيش في أعماق المحيط بواسطة توليد أضواء بألوان مختلفة لجذب الإناث أو للتواصل ما بين النوم الواحد.
لقد كان ذلك من أجل نعم الله تعالى التي تستوجب الشكر من سيدنا سليمان عليه السلام: "حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم، لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علىّ وعلى والدي وان اعمل صالحاً لرضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين"( النمل: 18ـ19).
لقد أثبتت الدراسات أن بعض أنواع الحيوان تستخدم أنظمة إتصالية متطورة نسبياً: "صنع الله الذي أتقن كل شئ، إنه خبير بما تفعلون"(النمل:88)، فلديها عدد من الرسائل التعبيرية الخاصة بموضوعاتٍ معينة، أليس من اللافت للنظر "تداعى" الحيوانات والطيور فلم يـُر نفوقاً واضحاً لها بين ما يزيد عن ربع المليون من جثث البشر الذين قضوا في زلزال جنوب شرق آسيا"تسونامى"(ديسمبر 2004م)؟!، ترى كيف تخاطبت هذه الحيوانات والطيور وأنذرت بعضها قبل ساعة الصفر؟ في حين لم تفلح أجهزة الإنذار المبكر لدى البشر؟.
لقد أحصى العالم الألماني ايريخ بوينر ثلاثين نوعاً من الأصوات في الطيور خلال ستين عاماً من العمل، ووجد أنها قد تتشابه ولكن تختلف في طبقتها وزمنها، وعند الطيور التي لا تتواصل صوتياً تلعب اللغة والمثيرات البصرية دورها القوى في التناسل، حتى ذكر الفئران له "غزل صوتي" يتم تبادله مع أنثاه، كما ويلعب هذا التواصل الصوتي دوراً مؤثراً في نمو الأجنة، فقد تبين أن أجنة الطيور تستجيب للمثيرات الصوتية الخارجية (كصوت الآباء) منذ اليوم الثاني عشر من تطور نموهم داخل البيض، وصغار الدجاج والبط تبدأ في إصدار أصوات هادئة ومتواصلة قبل أيام قليلة من خروجها من قشرة البيض، لتهيئتها للفقس، والذي قد يتزامن في آن معاً. ولا ننسى أن في بعض منازلنا لا يزال الببغاء الزنجبارى هو"مَـلك" التقليد لما يتم تلقينه من مفردات لغتنا البشرية، وعلى قدر حيازته منها وإجادته لها يرتفع سعره صعودا وهبوطاَ.