الملك يتحلل من قيود جسد "السلطان"

عبد العزيز كوكاس


سابقة في تاريخ الملوك والسلاطين المغاربة، تلك الصورة التي ظهر بها الملك محمد السادس وهو يتكئ على عكاز طبي أثناء زيارته لمدينة الناظور لتدشين مجموعة من المشاريع، إنها المرة الأولى التي يخرج فيها ملك مغربي على "رعاياه" وهو بعلة/ وعكة صحية.. ذلك أن جسد السلطان ظل يعلو على الإنساني والاعتيادي فينا، فهو جسد فوق طبيعي تقترب صورته من الله وظله وتبتعد عن الطبيعة البشرية التي تصيبها العلل والأمراض وتعترضها باقي خطوب الدهر وصروفه، جسد السلطان ظل لا يخضع لصيرورة الزمن، جسد ميتافيزيقي، خارق وصلب، واحد غير متعدد، يعلو على الزمن ونائباته حتى ليبدو أن جسد السلطان لا تاريخي، قوي لا يمرض ولا يعطب، صلب لا يقهر ، فهو صحيح أبدا لا يصيبه إبدال أو إعلال، وحتى موته يجب أن يكون مصدر حساب دقيق في موازين السلطة.. لأنه جسد محمي من أعلى لا من أسفل..

لذلك تتناسل العديد من الحكايات حول علاقة الحسن الثاني ببعض خلانه المقربين الذين كان يتمادى في الكلام معهم بعيدا عن أي طقوس أو تراتبية، يطلب من هذا المبسط أن يحكي له أحدث النكت التي يتداولها العامة عنه، ويتمازح مع هذا الخل بلا وضع للحواجز ويطلب منه أن يشتمه بما يشتم العموم..

ولأن الحجاب ضروري بين الإنسان الملك والسلطان الحاكم ، بين جسد الملك العمومي والملك الخصوصي، فقد كان الحسن الثاني يتخفى في أزياء العامة ويتنكر في أشكال مختلفة ويخالط عامة الناس، ليس فقط لمعرفة حقيقة ما يعيشه عامة الشعب ولكن أساسا ليستعيد إنسانيته ويحرر بشريته من عبودية السلطان السابق على وجود الملك.

في كل الدساتير التي عرفتها المملكة، لم يكن هناك بندٌ واحد ينص على ما يجب القيام به في حالة اعترض الملك عائق صحي وأصبح عاجزاً عن القيام بوظائفه الحيوية في السلطة السياسية، لم ينص أي دستور بما فيه الدستور الجديد المصادق عليه في فاتح يوليوز 2011 على الاحترازات اللازمة من فراغ رأس السلطة في حالة اعتراض جسد الملك ما يعترض باقي البشر من أمراض وعلل تعيقه عن ممارسات واجباته في الحكم..

لذلك يعتبر ظهور محمد السادس، وهو متكئ على عكاز طبي أمام عموم الناس، شجاعة استثنائية، لأنه بمثابة مصالحة نبيلة بين جسد السلطان وجسد الملك ، شبه أنسنة ذاتية للسلطة المتوحشة داخل جسد السلطان الميتا بشري أو الذي يعلو على الإنسان، كما لو أن محمد السادس يعمم على عامة الناس جسده الخصوصي المحض إنساني الذي يشاركهم في آدميتهم ، يعتريه ما يعتريهم، يصيبه ما يصيبهم، وهو بذلك يقوم بعمل غير مسبوق في تاريخ السلاطين عامة، الذين اعتبروا مرضهم وأعطابهم الإنسانية كما لو أنها انتقاص ضمني من قدرتهم على ممارسة السلطة وتوفير الحماية للآخرين، لقد أحذت محمد السادس بظهوره وهو يتكئ على عكاز طبي ثقبا كبيرا في جدار سميك، اسمه الحجاب الضروري بين الملك الخصوصي والملك العمومي –كما يتحدث عن ذلك الأستاذ محمد الناجي- لم تعد العيوب البشرية تنقيصا من هبة الحاكم والدليل ما أبداه عموم المواطنين، أكثر من ذلك استعاد محمد السادس الصورة الأولى التي رسمها له المغاربة في الأذهان.

لم يعد جسد السلطة استثنائيا، مقدساً، وغير إنساني... إنه هنا في كامل طبيعته البشرية، إنه ملك إنسان يتصالح مع هشاشته التي لا يخفيها عن العيان ، للأمر إسقاطات كبيرة على الممارسة السياسية.

فجسد السلطان ظل خارج التعميم، الصورة النموذجية لجسد الملك هي عدم الاعتلال، الضعف والمرض لا يعرفان سبيلهما إلى جسد السلطة، التي يجب أن تبقى واقفة، مشرقة، قوية... لأن جسد السلطان مقدس، من هنا يستمد مطلق قوته وهيمنته على كل الحقول، فيما أعطى محمد السادس عبر صورة العكاز الطبي، انطباعاً للملك الإنسان، القابل جسده للعطب الإنساني، والقابلة سلطته للنقصان والخطأ، لأن الملك هنا محض كائن بشري..

لنستعرض سوابق لدى محمد السادس، ابتدأت بإعلان زواجه على عموم الشعب، وأيضا سبق في 2009 أن تم تعميم بيان للرأي العام حول مرض الملك...

فليعش الملك الإنسان الذي يستعيد ذاته المحض الإنسانية.. ذلك أفقنا الطبيعي لتنسيب الحقيقة، لتقسيم السلط الذي لا يعتبر ضعفا .. لرسم المسار الديمقراطي للبلد دون اعتلال.