مغاربة ونفتخر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أصل الأنواع: الحلقة الوسيطة في أعمال برهان الخطيب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أسدرم

أسدرم


عدد المساهمات : 146
تاريخ التسجيل : 24/12/2011

أصل الأنواع: الحلقة الوسيطة في أعمال برهان الخطيب Empty
مُساهمةموضوع: أصل الأنواع: الحلقة الوسيطة في أعمال برهان الخطيب   أصل الأنواع: الحلقة الوسيطة في أعمال برهان الخطيب I_icon_minitimeالجمعة ديسمبر 07, 2012 11:07 pm



العرب أونلاين- صالح الرزوق

في روايته " ذلك الصيف في إسكندرية" التي مهد بها لآخر أعماله " أخبار آخر الهجرات " يفتح برهان الخطيب الباب لمسألة تكامل العناصر. حيث ما يغفله عنصر أساسي من بنية الرواية يعوضه عنصر آخر. في هذه الرواية الشاعرية و الجذابة تضع اللغة نفسها في خدمة إغراءات الأسلوب. ولئن كانت تتألف من أربع لوحات أو مشاهد فهي تتكامل ضمن إطار نفس الجو والمكان. وتتحدث عن لقاء المذكر بالمؤنث. ومعنى الحب بكافة أشكاله… الإيروتيكي والعذري. الماجن والمهذب، ولكن في شريط مكاني ضيق هو مدينة الإسكندرية حصرا وساحلها المحاذي للأبيض المتوسط تحديدا.

وبناء عليه يمكن لهذه الرواية المختصرة أن تلم شمل الشتيتين… المذكر المهاجر والمؤنث بنت البلد. ومن ورائهما كل مكونات الثقافة الهيلينية المنفتحة على هواء البحر وعلى روح المغامرة والمجهول وشاعرية الطبيعة كعامل تهذيب وتلطيف لغرائزية الجسد نصف العاري الذي يقترب من معضلة الحدود… في المعنى والشكل.

تتوزع الرواية بشكل عام بين 3 محاور: حركة الأحداث الدائرية، المتكررة. التي تؤكد أن التشابه هو قدرنا في هذا العالم المحكوم عليه بالنهايات الغامضة. نهايات ما قبل الموت. أو النزع الأخير الذي يضعنا مباشرة أمام عرينا الأخلاقي و أفكارنا العزلاء، و المحرومة من روح المبادرة. و هو ما يقول عنه الكاتب في التمهيد: اختصار الحياة و عدم رؤية التفاصيل و الاكتفاء بما هو جوهري فيها " ص7 ". والتواطؤ النفسي بين أقطاب الأحداث. وهما رجل وامرأة حصرا. ومدينة وبحر على المستوى الرمزي. أو بر وغمر مائي بسمة أسطورية. وما يترتب عن ذلك من " صمت ثقيل " أو انتظار لـ " قرار محزن "" ص 14 ".

ثم الخاتمة التي تحتل موقع نقطة تنوير تفسر الحكمة من الرواية. وهي تأكيد على المعنى التموزي للحياة والتي تسير لديه حسب المخطط التالي في كل فصول الرواية:

لقاء " قرب الشاطئ "، يؤدي إلى علاقة خصوبية، ثم فراق يؤدي إلى الموت، وأخيرا عودة " بمعنى انبعاث من الرماد وقيامة جديدة يرمز لها بالطفل ".

وإن تقسيم الرواية لأربعة فصول متشابهة قد يكون إشارة مقصودة لفصول السنة الأربعة، وما تنطوي عليه من رمز مباشر لدورة الحياة… الموت والقيامة. وهذا يقابله رمز الابن غير الشرعي كعلامة ذات مغزى تدل على أخطاء الواقع المتردي المحترق بنار الفساد واستغلال الفرص.

وهذا وارد، ويدخل في باب الممكنات، نظرا لأن الظروف تحتمل مثل هذه القراءة. ونظرا لواقع التجزئة والتخلف الراكد والساكن سكون الموتى والذي تآزرت على صياغته ألوان الطبيعة المشرقة وهواؤها البحري العليل والألوان الرمادية والكئيبة لعاطفة أقل ما يقال عنها أنها مهشمة وتتحضر للرحيل والفراق.

وتبقى ملاحظة أخيرة، بالأحرى تساؤل له ما يبرره. لماذا لا يكون فشل هذه العلاقات الغرامية تعبيرا مجازيا عن فشل مشروع توحيد مصر والعراق في أيام عبد الكريم قاسم وعبدالناصر. فلطالما كانت العلاقات الغرامية هي أنسب شكل للتعبير عن الرغبات المكبوتة ذات الطابع الاجتماعي أو السياسي العام. ألم يتفق المهتمون بقضايا الرواية أن فكرة " ألوان الحب الثلاثة " للعجيلي، والتي تدور حول سوري يغادر إلى مصر بحثا عن امرأة تعيش في خياله، تصور أسفه لسقوط أول وحدة في تاريخ العرب الحديث؟.

وبرأيي في ذلك معين لا ينضب لعبارات الحزن والتأسي التي غمرت فصول الرواية بدموعها وآهاتها وبما تحمله من رموز عن ثورة الطبيعة. وغير ذلك من المواقف التي هي العمود الفقري لأدبنا الرومنسي. مثل قوله: عيناها الغائمتان تكادان تمطران دمعتين " ص 17 ". وقوله: تناثرت قصاصات الورقة الصغيرة مع الريح " ص 17 ". أو قوله: النتيجة قلب ممزق وبحر مضطرب " ص 23 ". وأيضا قوله: اهتزت الريح على الوجه الساخن بنار القلب المكتوي "ص 60 ". أضف لما سلف التضاد في المعاني مثل الابتسامة الصفراء والسعادة الناقصة وغير ذلك كثير.

لا أعتقد أن هناك عملا يبذ ما قدمه لنا برهان الخطيب في هذه الرواية المضغوطة غير النموذج الذي تركه لنا إيفو أندريتش. وأقصد " جسر على نهر الدرينا " حيث المكان هو الرابط بين قصص تتغنى بأمجاد وبطولات البلغار في كفاحهم المستميت للإحتفاظ بحريتهم واستقلالهم. فقد قرأ في هذا العمل قانون أدونيس الذي فسر به الشعر الحديث، على أنه تأويل للمتحول بأدوات الثابت، إنما بطريقة معكوسة. وكرس كل جهده في تركيب الأحداث والشخصيات لقراءة الثابت بأدوات المتحول. ومثل هذه المعايير، برأيي، هي التي ترسم الحدود بين الأجناس في الفن. ليس الشكل ولكن الرؤية التي وراءه… التي تحدو خطاه. لقد كان الشعر، منذ الأزل، عند العرب جزءا من مكوناتهم الشخصية. بمعنى أنه ثابت ومحدد. بينما الرواية والخيال الفني هما استعارة من أمم أخرى استطاعت أن تؤثر في الهوية الحضارية لمفهوم الأمة وأساليب البلاغة والتعبير، وأن تحولها بطريقة من الطرق من الإنشاد إلى إملاءات فوق ذاتية.

وهذا بالضبط هو القصد والغاية من العمل الفني… شراء أكبر قدر من الحرية وتخليص الخيال من قوانين القواعد وقوالب الأفكار مسبقة الصنع. ثم تقريب الذهن من الحالة الموضوعية التي نشأ عليها.

بهذا العمل الصغير استطاع برهان الخطيب أن يجد موطىء قدم في نفس الساحة التي كان الكبار يلعبون بها. ولا أريد أن أقول الرواد الأوائل لأن لتلك الزمرة حسابات مختلفة.

لقد اشتبكت في هذه الرواية عدة خدع فنية: القصص المتوالية ولكن غير المتسلسلة. وكأنها تضع في الحسبان التوجه اللامركزي للحياة المعاصرة بعد أن ابتعدت عن مضمار التطابق الافتراضي بين المواطنين والدولة كما يقول هنري لوفيفر في بحثه " ما الحداثة؟". وأسلوب الفلاش باك الذي يضع الحاضر خلف الماضي، أو لنقل الذي يلقي أضواء ساطعة على الماضي في محاولة لجرد الحساب معه. وأخيرا عولمة المشاعر والأحاسيس حتى لو أنها قومية أو وطنية. وذلك من خلال ربط الثقافة البابلية المنكوبة والدامعة دائما وأبدا بالثقافة المتوسطية الحاملة لشعائر وأخلاق المياه الدافئة. حيث المدن يمكن لها أن تشيخ أو تزدهر كالبشر "ص 21" كما ورد في سياق إحدى الفقرات.

وأعتقد بهذه الطريقة وجد برهان الخطيب طريقة للتملص من بعض الأعباء… وعلى رأسها الانحياز للفكرة على حساب الفن أو العكس. فقد كان قوميا بمقدار ما هو رومنسي، وموضوعيا بمقدار ما هو ذاتي.

أضف لذلك أن الحياة النفسية للرواية كانت متوازنة، فالتعويض الفرويدي كان يستكمل ما لم تكتب له الظروف النجاح. والنهايات غير السعيدة لقصص الغرام المتكررة كانت تجد صدى لها في المفهوم غير التقليدي للخطاب الفني. وبعبارة أخرى: إن هذا الغرام المكبوت والمكتوب عليه الشقاء تساوى مع العذاب الفني لمعنى الرواية. كأن برهان الخطيب يقدم لنا بروايته نموذجا مثاليا لأطروحة غالي شكري عن " رحلة العذاب " التي سارت الرواية العربية على دربها. ضمن انفصال الشكل الفني عن الصيغة الفنية.

إن الرواية العربية بتخليها عن قانون المحاكاة لم تكن تضحي بالواقع كما يراه الإنسان العادي ولكن كانت أيضا ترمي في عرض البحر بمفهومنا السابق لدور البطل في تحديد اتجاه الأحداث. بالمقابل توجب في هذه الرواية على البطل أن يتخلى عن دفة القارب. وأن توزع مهامه على عدة شخصيات ثانوية ورئيسية. وأن لا يكون بالضرورة أرستقراطيا ومن طبقة النبلاء، وأن يتحلى بكل صفات الإنسان العادي، و يقبل الخسارة بروح رياضية. وأهم من ذلك أن يمر في زحام العالم كعابر سبيل يبحث عن طريقه وليس بصفة نصف إله أو نبي تثقل على كاهله التضحيات التي بذلها.

وقد وقف وراء ذلك مستودع لا ينضب من الصدف و المشاعر التي حاولت تقريب الحضارة النهرية لوادي الرافدين مع الثقافة البحرية لوادي النيل.

وأعتقد أن كل أعمال برهان الخطيب الأساسية تعكس تضاعفا لا في المعايير ولكن في البنية. وتقدم تأكيدا عمليا على مبدإ الحامل والمحمول… الشيء وقرينه. وهذا واضح في " ليالي الأنس " من خلال الشخصية الكردية التي تعيش مشكلتها بتقاطع الأصل العرقي والهم الوطني. وواضح أيضا في " ذلك الصيف في الإسكندرية " من خلال معادلة الانتماء الفكري والرغبات الشخصية. فأبطال الرواية يؤمنون بمبدإ الأمة الذي مهد الطريق لحكومات العسكر منذ بواكير الستينات من القرن العشرين ولكن دائما هم في حالة هجرة وابتعاد عن الأرض ومسقط الرأس، بحثا عن مستقبل ذهبي، وعن أفق غير مقفل ولا مسدود بآلة الحرب ومجتمعها.

ثم في الشكل الفني لـ " أخبار آخر الهجرات " التي تبدأ من حيث انتهت سابقتها وتضع مفهومنا لمصير الرواية على النار… وتقوم بتفكيكه لعناصره الأولية. وفصل لحمة الموضوع عن الأسلوب تمهيدا لجنس أدبي يتحرك فوق قوانين التصنيف وأصل الأنواع الحديثة.

في النهاية، على الأغلب، أراد برهان الخطيب، من تفتيت شكل الرواية الكلاسيكي، أن يجاري ما بدأت به القصة الجديدة في الستينات، من استبدال تسلسل الأحداث وتدرج العقدة بوحدة الجو العضوي والنفسي. تمهيدا للكشف عن الوجه الحقيقي للواقع المجزأ والذي يتوارى خلف محسنات وأوهام لمفاهيم غير واضحة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أصل الأنواع: الحلقة الوسيطة في أعمال برهان الخطيب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مغاربة ونفتخر :: . :: بـوابــة ادب وشــــــــــــعر-
انتقل الى: