مغاربة ونفتخر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 في سؤال نُدرة الشعر المغربيّ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أسدرم

أسدرم


عدد المساهمات : 146
تاريخ التسجيل : 24/12/2011

في سؤال نُدرة الشعر المغربيّ  Empty
مُساهمةموضوع: في سؤال نُدرة الشعر المغربيّ    في سؤال نُدرة الشعر المغربيّ  I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 02, 2012 6:31 am


العرب أونلاين- عبد الدائم السلامي

يعيش المشهد الثقافي المغربيّ الراهن حراكا تنوّعت فيه التجارب الإبداعية وتصادت فيه أجناس الفعل الثقافي حتى غدا فضاء للخلقِ غنيَّ الأحوال، ثريَّ السؤال، فيه توقيع لحركة المعاني وتنويع، وفيه وعي بالكون نازع دوما إلى الجدّة، وفيه تخليق للمتخيَّلات مُطلَق وجريء.

ونزعم أن النظر في المنجز الفكري المغربيّ، خلال العشريات الثلاث الأخيرة، يخلص بنا إلى القول إنّ نهضة ثقافيّة مغربيّة، خاصة في مجال المكتوب الإبداعيّ، هي الآن قيد التشكّل بملامح مخصوصة صورتُها التغاير مع المُتكرِّر السائد من تجاربنا الإبداعية العربية، والانفتاح على الثقافات الغربية انفتاحا يهيج فيه جدل الاستعارات وتَيْنع منه الدّلالة ويخلو فيه التكلّف.

والغالب على رأي كُتّاب النصوص المغربية ونقّادِها القول بأنّ صراعا يجري الآن في الساحة الإبداعية بين السرد والشعر، يظهر فيه النصّ السرديّ أكثر حضورا في المشهد الكتابي المغربيّ الحديث. بل ولا يُخفي بعض هؤلاء تأكيدهم أنّ القصيدة تعاني انحسارا في وجودها الماديّ، حيث قلّت إصداراتها، وقلّ التعاطي النقدي معها مقارنة بما هو متّصل بالكتابات السردية، إضافة إلى لجوء كثير من الشعراء إلى ساحة السرد على غرار محمد الأشعري وفاتحة مرشيد وحسن نجمي وغيرهم.

ولئن كنا نرى في مثل هذا الصراع ما يساعد على إثراء معاني الناس، ويدلّ الفعل الإبداعي على سبيله إلى تجديد دمائه اللغويّة، بل ويُشرع بابه على التماعن مع حركة المجتمع، فإنّنا لا نستطيع أن نخفي ما يُثار في هذا الغرض من إشكالات لعلّ من صورها السؤال التالي: ما أسباب هذا الانحسار الشعريّ؟ وما مدى تأثيره في تراجع صناعة الرّمز داخل المشهد الإبداعي المغربي؟

في سعيٍ منّا إلى تبيّن ملامح هذا الإشكال، لُذنا بسبيل ما أثير فيه من آراء لبعض النقّاد والباحثين آملين الخلوص منها إلى تحديد الأسباب الداعية إلى القول بندرة النصّ الشعري المغربي وبطء حركته الانقرائية. وفي هذا الشأن، وقفنا على توزّع أغلب تلك الآراء إلى ثلاثة عوامل ظاهرة هي:

ضعف الآلة الشعريّة

يُرجع الشاعر محمّد بنّيس بعض أسباب انحسار القول الشعري بالمغرب إلى الضعف التاريخيّ لآلة الشعراء المغاربة في إبداع نصّوص تتقاطع مع سكينة الواقع وتنتهك اطمئنانَه الزائف من خلال قدرتها على إثارة الجريء من الأسئلة. وقد سبّب هذا الضعف ابتعاد القصيدة عن مشاغل قرّائها وساهم في تدنّي فاعليتها الإبداعية، ومن ثمة نالَها من متلقّيها الإهمالُ، وهو ما يتجلّى في قوله: "لم يستطع الشعر المغربي المكتوب باللغة العربية الفصحى، طوال تاريخه أن يمتلك فاعلية الإبداع، أي القدرة على تركيب نصّ مغاير يخترق الجاهز المغلق المستبدّ،…، وها هو الآن مُبعَد عن القراءة، منسيّ بين رفوف بعض المكتبات العامة والخاصة، وقد تحوّل إلى مادّة متحفية، يستشيرها الدارسون في أحسن الأحوال، لا كإبداع، ولكن كوثائق شبه رسمية تساعد على تجلية غوامض مرحلة من المراحل أو ملابسة من الملابسات" "بيان الكتابة، 1981".

وعلى ما يمكن أن يكون في قول بنّيس من صدقيّة في توصيف حال الشعر المغربيّ نرجعها إلى عميق تجربته الشعريّة سواء على مستوى الممارسة أو على مستوى النّقد، فإنّ فيه بعض التجنّي على تاريخ القصيدة المغربيّة من جهة قوله بعدم فاعليتها الإبداعية. فإذا كان المقصود بالفاعلية الإبداعية هو خروج القصيدة عن أَسْر المألوف الشعريّ والتواجد على غير مثال مسبق يفرض عليها وصايته الفنية والشكلية، جاز لنا القول إنّ النصّ الشعريّ المغربيّ، في نماذج روّاده المحدثين مثل محمد السرغيني وأحمد المجاطي ومحمد بنّيس والأشعري وبنطلحة وحمروش والعمراني وحسن نجمي، بلغ من الصفاء القوليّ شأوا كبيرا، وتخيّر له متخيَّلاتِه الشسيعةَ ورموزه العميقةَ وبناه الشكليةَ والفنيةَ التي جعلته نصا جَمعا ومتعددا معا، حيث اختلفت فيه عناوينه وموضوعاته ولغاته اختلافا لم يخف نزوعه الدائم إلى التغاير عن باقي نصوصنا العربية، خاصة من جهة تأكيد "هويّته" الوطنية عبر وحدة سياقاته الاجتماعية والسياسية والثقافية المغربية.

وتبعا لهذا، لا يمكن أن نكتفي، في اطمئنان، بالقول إنّ ما يبدو من ضعف القصيدة المغربية راجع إلى ضعف اقتدار الشعراء على صناعة شعريات نصوصهم.

وسندنا في ذلك أنّ النصّ الشعري المغربيّ نصّ حداثيّ مائز بتغايره عن أغلب نصوصنا العربية من جهة كيفية تعاطيه مع ذاكرته، وجرأة موقفه الإيديولوجيّ المتضمّن لرؤية للكون جديدة يمتزج فيها قلق إنسان جنوب المتوسّط بآماله، وطرائق انصباب شعريّته على المعيش اليوميّ المغربيّ، وتآلف الشعريّ بالنثريّ على غرار ديوان "على انفراد"، للشاعر حسن نجمي، "دارالنهضة العربية، 2007" مثلا. وذلك على اعتبار أنّ "شعرية الشعر، أقصد بالمعنى التخييلي لبناء ثقل النص واللغة والبلاغة الشعرية، هي تلك الشعرية التي ترصد، كصنعة، المتمنع والهش والعابر، الشعرية التي تمنح الشعر فرادته وحديثه وهويته ضمن صرح قابل للانتصاب في عالم الشعر" "بشيري القمري، 2007".

ثقل المقدّس الدّيني

إذا كان من طبيعة الشعر أن يكون شهادة، على حدّ عبارة بنّيس في بيانه الكتابيّ، فإنّ الظروف التاريخية التي عاشها المغرب في اتصاله بما حدث من فجائع في الأندلس، وما صاحبها من ظهور حركات إسلامية، ومن أهمها حركة المرابطين مع يوسف بن تاشفين، وهي التي كانت تسعى إلى تحشيد كلّ الفعاليات البشرية لحماية ثغور العدوة المغربية المهدّدة بخطر الصحوة المسيحية في شبه الجزيرة الإيبيرية خاصة مع ألفونسو السادس، مثّلت كلّها محفِّزات على تغلغل الوازع الدّيني في وجدانات المبدعين حتى صار "معظم الشعراء المغاربة، بدءا من القاضي عياض وانتهاء بمحمد الحلوي، لم يقووا على بناء شخصيتهم الشعرية الخالصة، بمعنى أن وضعهم الاعتباري في المجتمع كانت تصنعه آثارهم الدينية والكلامية والبلاغية… التي غالبا ما كان الشعر يحتل ضمنها حيزا محصورا ليس إلا. نقصد أن الثقافة المغربية ستصر على إعطاء فقهاء – شعراء، أو متكلمين – شعراء، أو بلاغيين – شعراء… مرجئة دائما تهييئ شعراء خلص، شاغلهم الأوحد صناعة اللغة الشعرية، وتدبير مستلزمات الخيال" "بنعيسى بوحمالة، 2010".

غير أنّ الانسياق وراء القول بثقل المقدّس الدّينيّ على روح الفعل الإبداعي، وكبح طاقاته الإيحائية والجمالية لا يجب أن يُنسينا حقيقة أنّ الدِّين، في جميع الحضارات البشريّة ومنها الحضارة العربية الإسلامية، مثّل الخزين الاستعاريّ الذي أغنى نصوص الشعراء بأسباب البيان.

ففي نصوص فيرجيل وأوفيد ودانتي ودي إتش لورنس ووليم بتلر ييتس، على حدّ ما يذكر نورثروب فراي "le grand code, 1984" تحضر بكثافة أساطير لها اتصال بمناخات الكتاب المقدّس التخييلية، وذلك بسبب وعي هؤلاء المبدعين بقيمة تلك الأساطير التي تكوّن في مجملها إرثا ثقافيا إنسانيا ساهم في توطين حركة المجتمعات في تربتها الحضاريّة، ومكّن فكرها من خيرات ما وراء العرش التخييلية.

يُضاف إلى هذا أنّ أشهر نصوصنا الشعرية العربية التي ما تزال تفعل فعلها في ذائقتنا الفنية إلى اليوم هي في أغلبها لشعراء ظهروا بعد مجيء الإسلام، بل هي لشعراء كانوا ينتمون إلى أكبر حاضنات الإسلام آنذاك من عواصم العباسيين والأمويين، وهو ما يعني أنّ سلطة الدينيّ لا تحدّ من سلطة اللغويّ وبلاغته إلاّ متى وقع توظيفها في سياقات استحواذية وإيديولوجية يُغتصب فيها الرأي العامّ أو يهجّن.

سلطة شعر المشرق والأندلس

في مقالته التي تمحّضت للحديث عن "الشعر المعاصر بالمغرب، رهان الهوية… رهان التحديث" ذكر الباحث بنعيسى بوحمالة أنّ الشعر المغربي وقع تحت ضاغطتيْن جغرافيتيْن وثقافيتيْن في آن: أولاهما أن قَدَره أجبره على أن "يتبلور قريبا من أدب أندلسي رفيع سوف لن يتوانى، حتى في أحلك فترات الانحطاط السياسي بأسبانيا الإسلامية، عن احتواء وطمس أغلب الالتماعات الأدبية المغربية في تلك العهود.

فبدلا من أن يتحول الجوار مع أدب أندلسي، لا حدود لديناميته التعبيرية والتخييلية، حدث أنْ أصبح عامل إعاقة وتثبيط للنشاطية الأدبية المغربية". وثانيتهما هي انتماؤه الحضاريّ إلى شعرية مشرقيّة يحكمها حسّ ثقافي استعلائيّ ظلّ فيها "المشرق مدافعا عن سبقه الإبداعي، معتبرا ما يمور من آداب في أطراف دار الإسلام الشاسعة مجرد تحققات ظلية لنواة أدبية صلبة تكمن إما في دمشق أو في بغداد.

بل وحتى شبه الجزيرة العربية، التي هي مسقط رأس الأدب العربي، ستغدو، بعد انتقال الدولة العربية إلى الشام، فالعراق، محض طرف هامشي كبقية الأطراف الأخرى التي يكفي شعراءها أن يحوزوا فضل تقليد أبي نواس وأبي تمام والبحتري والمتنبي والمعري والشريف الرضي…""بنعيسى بوحمالة، نفسه".

وهو أمر جعل الشعر المغربي، وفق رأي هذا الباحث، يعلن دوما تبعيته لنصوص مشرقية وأندلسية "في نصوصه الإنشادية خاصة" تُحكم بقبضتها التاريخية على رقاب العبارات فيه، وتمنعها من حريّة التشكّل وفق ما يرضى الشاعر المغربيّ لها من إهابات، بل إنّ النص المغربيّ، في خضوعه لهاتيْن الضاغطتيْن، فقَد القدرة على العيش خارج هامش القول الفنيّ بالمشرق، لا بل وصار ظلا من ظلاله، يتبعه في حركاته وسكناته، حتى جاز القول إنّ الشعراء المغاربة "كانوا يرون المثل الأعلى عند أهل المشرق، فكانوا يجدون في نقل ما أثر عن أهل المشرق من القصائد والرسائل والحكم والأمثال وكذلك كان زهر الآداب المرجع الأول الذي اعتمدت عليه في أكثر الشواهد المشرقية، مع أنه لرجل تونسي من أهل القيروان" "زكي مبارك، 1987".

والحقّ أن القول بخضوع النص الشعري المغربي لسلطة النص المشرقيّ فيه بعض صواب تاريخيّ، وفيه أيضا كثير من الإجحاف في حقّه الجماليّ والمضمونيّ. ذلك أنّ الشعر المغربي هو "إنتاج ثقافة معينة في ظرف تاريخي معين، وعلى الرغم من الصلات التي كانت وما تزال بين المغرب والمشرق، وهي صلات عميقة تعود أساسا إلى الجذور الدينية واللغوية للثقافة في كل من المغرب والمشرق، فإننا لا يمكننا إلا أن نجزم، وذلك بناء على معطيات كثيرة جدا، بخصوصية الثقافة المغربية، وبتميز الشعر المغربي عن نظيره المشرقي والأندلسي، وهي خصوصية نابعة من جملة اختيارات المغرب في المجالات المذهبية والسياسية والفكرية".

وهي اختيارات ساعدت على ظهور "ألوان وأشكال شعرية جديدة لا عهد للشعر العربي في المشرق بها، وهي ألوان وأشكال تفتق عنها الشعر المغربي نتيجة عوامل عديدة. وليس المجال هنا مجال حصر تلك المصطلحات، ولا مجال دراستها، ومع ذلك يمكن القول إن منها ما ينصرف إلى الأشكال الخارجية للقصيدة أي إلى البناء الخارجي للقصيدة، ومن ذلك: الوتريات والوربيات، إلخ… ومنها ما يخص أغراض القصيدة أو مضامينها، ومن ذلك العيديات والمولديات والربانيات.

ثم وجدت في الشعر المغربي أنماط من التصرف في القصيدة عبّر عنها بمصطلحات منها التصدير والتعجيز والتخميس والتشجير…" "عبد السلام شقور، 2010". هذا إضافة إلى نبوغ القصيدة المغربية في المتح من مناخات النص الصوفيّ ، حيث اغتنت بإشراقاته وتماعنت معه، واستثمرت تعاليه الجماليّ في الإحاطة بملامح واقعها دونما بهرج وابتذال.

اختتامية

هكذا إذن، وبالنظر في ما بدا أسبابا لخفوت الصوت الشعريّ داخل المشهد الثقافي المغربي، وهي عوامل وجيهة في توصيفها لتفاعل النص الشعري مع حاضناته السياسية والثقافية والدّينية، نخلص إلى القول إنّ تلك العوامل، وغيرها ممّا لم نذكر، لا تمثّل إجابات صريحة عن ندرة هذا النصّ، إنما هي في أغلبها تجل من تجلّيات غيرة الدارس المغربيّ على مشروعه الشعريّ الوطنيّ، وهي غيرة يمكن أن نرجع جانبا منها إلى ما سكن في وجدان القارئ العربيّ من قناعة بأنّ القول الشعري عامل فاعل في تحديد ملامح هويّتنا العربية، وبأنّ الواقع يفترض وجود شعراء ينافحون من أجل تحقيق مسيرته الحضاريّة.

ومهما يكن حجم خفوت الصوت الشعري المغربي، ومهما تنوّعت المقاربات الساعية إلى كشف أسبابه، فالرأي عندنا هو أنّ تصوّرنا التقليديّ عن الفعل الكتابيّ يشهد الآن نوعا من الانزياح عن مقولة الأجناس الكتابية والنحو فيها صوب القول بتفاعلها داخل النصّ الإبداعي الواحد.

ذلك أنّ قراءة متن المكتوب المغربيّ الراهن سواء في السرد أو في الشعر يحيلنا إلى نوعٍ من التقاطع الفنيّ بين هوّيات نصيّة متنوّعة تغيم فيها الحدود الشكلية لتغتني من بعضها بعضا فنيا ودلاليا غلى غرار ما نلفي في القصة القصيرة جدا.

وهو ما يجعل انمياز النص السرديّ بالمغرب لا يعود فقط إلى تنامي جودته الفنية، وهو أمر حاصل فيه، ولا إلى ضعف آلة النص الشعري، وإنّما بعض من تلك الأسباب يعود إلى طبيعة الواقع المعيش وكثرة تفاصيله وانحسار آفاق التخييل فيه بفعل انصباب سلطة التكنولوجيا عليه وتعاظم مجالاتها الافتراضية التي عزّزت من ضمور الأسطورة، وهو ما يجعل السرد أقدر على تبسّط سبيله في التعاطي مع مجريات المعيش بتدقيق وتحقيق، وفي الإلمام بجميع تجلياتها، وفي حكاية مِنْوالاتها بإسهاب. وإذ يفعل ذلك، نلفيه يغتني بأحوال الشعر وبطاقاته الإيحائية، ويستثمر منه الكثير من أفانين صناعة الرموز فيه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
في سؤال نُدرة الشعر المغربيّ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الشعر طريق بحث عن الروح
» التحولات المصيرية في عالم الشعر
» الشعر وأنا في قبضة الصيرورة
» الشعر في إعلام الأطفال
» عيد الفطر في الشعر العربي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مغاربة ونفتخر :: . :: بـوابــة ادب وشــــــــــــعر-
انتقل الى: