تحليل إخباري: المغربُ أذكى من جِيرانه في اِحتوَاء الرَّبيع العَربي

نوت جيوستراتيجيك، ترجمة هشام تسمارت (بتصرف)


يعمدُ في أحيانَ كثيرة إلى تقديم المغرب كفضاء يقعُ خارج محيط الدول المغاربية. وإن كانت السياحة توفرُ للبلد عملة صعبة وتضمنُ له إشعاعاً عالمياً، فإن المغربَ يحاولُ أيضاً إخفاء غناه الثقافي وحقيقة بلده المعاصرة، بما يعتملُ فيها من تحديات تفرضُ على المغرب أن يرفعها، فحسب بيير فيرميرين، المحاضر بجامعة باريس الأولى، تعامل المغرب بصورة أفضل مقارنةً بجيرانه مع "صدمة الربيع العربي". في تأقلمه مع حضور الإسلاميين داخل حكومته.

بيدَ أنَّ الاستقرار السياسي لا ينبغي أن يحجبَ مشاكل مهمة تواجهها المملكة، ممثلةً في المطالب الاجتماعية وقضية الأقاليم الجنوبية. وباعتباره همزة وصلٍ بين أوربا وإفريقيا، وبصفته شريكاً مميزاً لدول الشمال، يغدو "العالم المتوسطي الجديد" مدعواً للتعاطي مع الدينامية التي تعرفها المملكة العلوية.

من النادر أن تجدَ الفرنسيين قد أجمعوا على رأي متوازن حول المغرب وملكه، فالمغرب يتم تقديمه دون تدقيق، إمَّا كبلد ذي ثروة أو دولةً تتخبط في براثين البؤس، فيمَا يصور ملكه إمَّا مستبداً أو محبٍّا للآداب والفنون، كل ذلكَ في وقتٍ يندر فيه أن تجدَ بلداً يحظى بتاريخ عريق كمَا هوَ الشأن بالنسبة إلى المغرب، فمن باب المقارنة، حينَ اختير هيجيس كابيت ملكاً لفرنسا، كانت الملكية المغربية موجودة سلفاً ب199 عاماً في المغرب، يقول المستفرق برنار لوكان.

إنَّ ما يميزُ المغرب عن باقي الدول العربية، هو وجودُ أميرٍ للمؤمنين على هرم السلطة، فالأسرة العلوية تحكم المغرب منذ عام 1640 على أساس انحدارها من سلالة النبي، بما أكسبها شرعية دينية". وهيَ شرعية يجدها المغاربة أكثرَ أهمية من تلك التي كانت لدى الملكية في فرنسا، يحللُ لوكان.

السلطة الشرعية في المغرب تستمدُّ من البيعة باعتبارها تعاقداً بين الحاكم ورعاياه، مما يجعلُ الانتقادات حتَّى وإن صدرت حيال بعض تحركات الملك غيرَ قادرة على إثارة مسألة شرعية القصر، وهو عنصر جوهري في فهم الحياة السياسية بالمغرب، الذي حافظَ على نظامه الملكي في سياقٍ مضطربٍ تمر به المنطقة في خضم ما يعرف بالربيع العربي.

لقد عرفَ المغرب كيف يستبقُ التغيرات العميقة في جنوب المتوسط، لأجل تفادي ما قد تشكله الطبقة المتوسطة والمتعلمة من تهديد للنظام، ولذلكَ سمحَ وصول الملك محمد السادس إلى السلطة بعدما هيأه الراحل الحسن الثاني، بتحديث البلاد، وتم إطلاق مشاريع كبرى على مستوى البنية التحتية، كإطلاق ميناء طنجة المتوسط، فضلاً عن إحداث عدة أنشطة صناعية، سيماَ عبرَ المساعدة الخارجية (شركة رونو في طنجة). فيما وسمت العلاقات مع أوربا بانفتاح ترجمَ إلى منح المغرب صفة شريك متقدم، وهي صفةُ تجعلُ البلاد قادراةً على جلب الأوربيين"، يقول جون لويس كيكو، المندوب العام لمعهد التوقعات الاقتصادية للعالم المتوسطي.

بالموازاة مع ما ذُكر، عرفت العشرية الأولى انفتاحاً مغربياً على مستوى السياحة الجماهيرية (tourisme de masse)، التي كبحَ الحسن الثاني جماحها خشية إفساد الشعب المغربي، كما رافقت الانفتاح إصلاحات ذات طبيعة اجتماعية وسياسية. وجاءت مدونة الأسرة عامَ 2004 كي تحسنَ وضعَ المرأة جذريا، مبيحةً للفتاة أن تتزوجَ دون موافقة والديها مع حظر تعدد الزوجات. علاوةً على استجابة المغرب عام 2011 لموجات التظاهر في كبرى المدن المغربية، وهوَ الأمرُ الذي مكن إسلاميي العدالة والتنمية من الصعود إلى السلطة.

لكن على الرغم من إجراء استفتاء حولَ الدستور، لا تزال سلطات الملك أوسع من سلطات الحكومة، يوضح جون لويس كيكو. وحسبَ مجلة الشرق الأوسط فإن تطورين اثنين يحتملُ أن يتحققا مستقبلاً، فإما أن تقتحم الحكومة بشجاعة مجموعة ملفات هامة بما يبينُ عن قوتها ويسفر عن إعادة التوزان إلى تقاسم السلطة بين الملك ورئيس الحكومة، أو أن فشلَها سيفضي في صورة مفارقة إلى إضعافِ النظام وتقويته في الآن نفسه.

وإن تحققت الفرضية الثانية، فإن بحثاً عن حل آخر لجدلية الاستقرار والإصلاحات سيفرضُ نفسه" كما يؤكد ذلكَ إيمانويل تود، الذي يرى أنَّ النظامَ الملكي في المغرب لا غنَى له عن المضي قدماً في الدمقرطة، والتطور يفترضُ السيرَ نحو ملكية دستورية. دونَ إغفال حاجةِ المغرب إلى تسوية مشكل الصحراء، إيذاناً بتحسن العلاقة مع الجزائر، لأجل الشروع في التعاطي مع تحديات البلاد الداخلية.

.