محمود الغانمي وقصائد تدور على ظلالها

رياض خليف

"جداريات لحب الوطن والثورة"، هذا هو العنوان الجديد الذي عاد به الشاعر التونسي محمود الغانمي إلى النشر بعد غياب نسبي رغم تواصل القريحة الشعرية. ولربما نبهنا العنوان منذ البداية إلى محتوى هذا العمل وروحه فالشاعر ارتأى أن يساهم من موقعه الإبداعي في هذه السنوات- اللحظة التاريخية وربما غاب الذاتي والشخصي تاركا مكانه لهموم الوطن والأمة فلم يحضر إلا في قصائد نادرة.

وهذا العمل الثالث لمحمود الغانمي لم يختلف في توجهاته الكبرى عن عمليه السابقين. لم يتخل الشاعر عن ميولاته إلى الشعر العمودي وانتصاره له وذلك للنسبة الهامة من القصائد العمودية في هذا العمل ولم يتخل عن النبرة الحماسية التي ميزته وعن النفس العروبي.

ونحن نجد أنفسنا أمام قصائد يغلب عليها المؤثر الحدثي فثمة تفاعل للشاعر مع محيطه القطري والقومي جعل قصائده الشعرية تحوم حول البعد الحدثي ولعلها قصائد كتبها الشاعر في أوقات متفاوتة تفاعلا مع جملة من الأحداث التي ألهبت الشارع العربي وقفزت بدرجة حماسه في السنوات الأخيرة ويمكن أن نفصل في هذا العمل بين لحظتين حاسمتين حركتا الشاعر و ألهبتا مشاعره وجعلتاه يطلق صوت الشاعر الجمعي أي يتخلى عن صوت الذات ويتبنى صوت الشاعر الناطق باسم المجموعة.

فأما اللحظة الأولى فهي انتفاضة 17ديسمبر-كانون الأول، وما تبعها من أحداث أنتجت الإطاحة بالنظام السابق وأما اللحظة الثانية فكانت تطورات المشهد العراقي من سقوط بغداد إلى إعدام صدام مرورا ببعض الأحداث.

فالعمل يعيش غمار الثورة ويستعيد لحظات الحماس الثوري والفرحة الاولى للثورة التونسية من خلال قصائد عن البوعزيزي ومدن الثورة والجيش والوطن وغير ذلك من رموز نشوة الانتصار…لذلك يمكن أن نصنف المجموعة الأولى من هذا العمل ضمن باب الفرحة الثورية حيث احتفى الشاعر برموز الثورة ومشاعرها الأولى النقية التي لم تدنس بعد بالأسئلة اللاحقة …نرصد هذا في قصائد مثل "أحرار نغني لتونس" "وتونس الثورة "و"تحدي الشهداء "وغير ذلك من القصائد ذات المضمون الثوري بشقيه التحريضي والاحتفالي.
من هذه القصائد نقتطف قوله:

"قد ان للظلماء أن تتبددا
ولتونس الخضراء أن تتجددا
الشعب قرر أن يبدد خوفه
فالخوف في قلب الشعب تبددا""ص21".

هذه النشوة الثورية وهذا الفرح يتبدد في اللحظة الثانية التي رصدناها وهي اللحظة المتعلقة بالأمة العربية والتي أفاض فيها الشاعر بمرارة.

فقصائد محمود الغانمي ذات المضمون القومي تحافظ على توهج المشاعر العروبية وعلى الايمان بالقضايا العربية الخالصة وهي تداعات قومية جريحة تعج بالآلام التي تكبدها كل مؤمن بهذه الأمة العربية الخالدة.ولعلنا نستنتج أن العروبة كانت المشغل الأول في هذا العمل وهذا نفهمه حتى من عناوين القصائد"احب عروبتي- خيانة العرب- جرح العروبة بالثورات نسعفه-متى لعب الزمان بها- صرخة عربي…..الخ".

ولكن لقصائد محمود الغانمي باب آخر وهو المكان فبعض قصائده كانت احتفاء بالمكان وفي هذا نرصد قصيدة عن القيروان وأخرى عن زغوان وكذلك قصيدة عن مقهى سمرقند في سيدي بوزيد وهي القصيدة الثرية بالمشاغل اليومية. وفي المجمل فمحمود الغانمي يكتب قصائد تحتفي بالواقع وتحفل بالحدث اليومي وتبحث عن الحلم العربي المغدور وتحاول التمسك بالقوانين التقليدية للشعرالعربي .وهذا العمل من خلال قراءة سريعة لمضامينه ولغته يبدو تواصلا من الشاعر مع تجاربه السابقة ومحافظة على ملامح الشاعر الأولى.