مغاربة ونفتخر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أصابع حجرية ترثي بلاد الرافدين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ادارة المنتـدى
Admin
ادارة المنتـدى


عدد المساهمات : 1842
تاريخ التسجيل : 01/11/2011

أصابع حجرية ترثي بلاد الرافدين Empty
مُساهمةموضوع: أصابع حجرية ترثي بلاد الرافدين   أصابع حجرية ترثي بلاد الرافدين I_icon_minitimeالسبت أكتوبر 06, 2012 8:36 am



العرب أونلاين- شاكر لعيبي

في بداية السبعينات في بغداد وجدت نفسي متورِّطاً بالشعر، ولمّا أبلغ بعد العشرينات من عمري. يومها شعرت "بالأريحية "ـ كما قد يقول الجاحظ ـ لسماع هذا التوتر الداخلي الذي ينفجر فيك عندما تسمع قصيدة جميلة.

كان العراق في تلك السنوات يشهد هدوءاً مخادعاً على المستويات كلها، لكنه هدوء يقود الشعر إلى مناطقه. أتذكر أن "ثانوية قتيبة للبنين" التي تلقيتُ فيها تعليمي، كانت مختبراً أولياً لثلة ممن سيصير بعضهم جيلي، وأتذكر أن متنزهات أبي نواس ستصير موطناً للقاءات شعرية وقصصية لأهم أصوات هذا الجيل. لقد طلعنا من المدن الشعبية: "مدينة الثورة" و"بغداد الجديدة" الضاربتين في ميثولوجيا الجنوب العراقي، ومن ذلك الهدوء السياسي المُراوغ الذي سيقسم البلد ويشطره، وللأسف، دون ذرة من الرحمة.

في بداياتنا كنا نكتب قصائد حب، ونصوصاً "للعصافير الملوثة المناقير بتراب الوطن"، كنا "نلهو مع الهواء المتغلغل بقمصاننا" ولكننا أدركنا فجأة وجود مسارات أخرى كانت تشق طريقها في ثنايا الثقافة العراقية، وأنها قد وصلت إلى الوسط الشعري نفسه في نهاية المطاف، وليس إلى شعرنا كما أراد البعض القول بشكل مريب.

مسارات متجهِّمة وليست من ذات الطبيعة الحلمية البريئة واللصيقة بكل بداية. عندما كتبت مجموعتي الأولى "أصابع الحجر" عام 1976 كان الحلم ـ ولا أحب بالضرورة رومانسية هذه المفردة ـ قد بدأ يعاني شروخا قادمة من تغلغل "اللاشعري" في "الشعري". سوى أن المجموعة تحتفظ بنيل البدايات وبداهتها، وسوف أدخلها في أعمالي الكاملة لو قدر لي إصدارها.

لم أكن مقلداً، على ما يبدو، لأيٍّ من الشعراء الذين كانوا يتصدّرون المشهد الشعري العراقي والعربي. لقد مرت المجموعة مرور الكرام قليلاً بسبب نبرةٍ، لا أدري كيف أصفها، ستصير نبرتي، الأمر الذي جعل غالبية الوسط يرتاب من رنين عناوين فيها من قبيل "قصيدة إلى اللون الأصفر" وأخرى إلى الخمور و"كتاب الأنهار" الذي أعدّد فيها منذ تلك السنة 1976 أغلب أنهار العالم المشهورة وغير المشهورة، ومجموعة أخرى من النصوص تبتدئ عناوينها بـ "قصيدة إلى .. ". تلك المجموعة لم تُقرأ كما يجدر أن تُقرأ مجموعة أولى لشاب في العشرين، كأن الزمن لا يليق بروحها.

عندما وصلت إلى بيروت سنة 1980 ، كنت أكتب القصيدة الموزونة بعد، وكنت قد كتبت في بغداد قصائد رثائية لعلها كانت تهجس ما سيحدث: كنت أنظر إلى المشهد بعينٍ متوحشة لعلها ترى ما لم يرد المبصرون رؤيته. تلك القصائد حملت عناوين رمزية مثل "رثاء أور" كُتبت إحداها في بغداد التي لم يكن على المرء أن يبوح فيها بما في نفسه علناً، وأن يرمّز بالأحرى لما يتوجب قوله.

جنب "رثاء أور" و"مرثية أخرى لأور" هنالك نصوص طويلة موزونة في مجموعتي التي أصدرتها في بيروت سنة 1982 "نص النصوص الثلاثة" الصادرة عن تلك الدار التي كان الجميع يحلم حينها بالطباعة لديها: دار العودة. كما أنها احتوت على نص طويل بالعنوان نفسه الذي تحمله المجموعة. كان نصا نثريا مكتوبا سنة 1981. هذا النص غيّر، منذ تلك السنة بالضبط مجرى الكتابة عندي، حيث كنت أتجه بقناعة كاملة إلى ما نسميه اليوم "قصيدة النثر". في النثر كنت أزعم مثل غيري الإمساك بالعصي، جوهر الشعري، روحه وخلاصته، أثيريته وكثافته، ولعل هذه كلها تسميات أخرى "للاستعارة" التي أرى من جهة أخرى أنها خلاصة "للشعرية".

تسمح قصيدة النثر إذن أن نذهب، أو أن نحاول الذهاب إلى ذلك المكان الذي يسمى الشعر، الشاخص من دون زوائد أو كماليات أو تزاويق لفظية أو وزنية، أي دون الشكلاني، سوى أن هجر القصيدة الموزونة لم يجر لديّ من يومها، بسبب وجود خلل عضوي قاهر في طبيعة الأوزان التي تعوق الشعر، كما يُزعَم، عن التفتح والازدهار، وليس لأن النثر أكثر طواعية على استجلاب ذلك الروح الأثيري الشعري، لكن بسبب أن قصيدة النثر يمكنها أن تطوي بضربة واحدة كما خيِّلَ لي، ما يعوق الشاعر عن التعبير عن كينونته، ويظل له فيما بعد أن ينوّع على المعطيات التي تضعها اللغة وتاريخ الأشكال تحت تصرّفه، كلها دون استثناء

إن قصيدة النثر ليست حقلا للتجريب فحسب، لأنها يجب أن تطوي في حقلها المغناطيسي تاريخ الشعر العربي والشعرية العربية والعالمية التي لا يقع كله، في تناقض وجودي محتم مع الأشكال والممارسات الشعرية التي أثبتت فاعلية وضرورة في مقام القول الشعري. إن أي فرضية تقفز على هذه البداهة لا يمكنها أن تصمد أمام تاريخ الأشكال الأدبية ومنطقها.

شكلت الفترة السبعينية، وليس ما يسمى بجيل السبعينيات ـ إنني أرفض التقسيم العشري بإصرار ـ مرحلة جذرية في العالم العربي ثقافيا وإنسانيا وسياسيا وشعرياً، لأسباب لم أتوقف عن تعدادها: الحرب الأهلية اللبنانية وحرب أيلول في الأردن وذهاب السادات لمصافحة الإسرائيليين وصعود حزبين قوميين في العراق وسوريا والطفرة البترودولارية وانحطاط المنظومة الاشتراكية الواضح وصعود الأصوليات الدينية وتوقف العالم العربي عن النمو وانحساره الروحاني … الخ.

مرحلة هامة وخطيرة ألقت بظلالها على الكتابة الشعرية، لذا فهي تمثل تخالفا بين الرواد وبين جميع التيارات الأخرى النضرة الموجودة في أجواء التغيرات التي عددناها للتو. كنت ملتصقاً، بالمعنى الحرفي للكلمة، بأرومة الأجيال الأصغر مني سنا رغما عني، وهو ما ستشهد عليه مراسلاتي ومكاتباتي معها، وقبل ذلك قراءتنا المتبادَلة وفهمنا لبعضنا، وربما سأتبقى مراهقا أزلياً في الكتابة الشعرية إذا ما أفاد ذلك معنى الرجفة المتجددة لأشياء العالم. ألاحظ هنا أن التقسيم العشري ثابت ومُلِحّ في بلدين عربيين بشكل خاص هما مصر والعراق، الأمر الذي يدل على وطأة القيم الاجتماعية الموروثة، وقدرة فكرة العائلة "العيلة" على إنتاج نفسها، حيث لم تزل البنية الأقوى في هذين البلدين العريقين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elkasmi.mountada.net
 
أصابع حجرية ترثي بلاد الرافدين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مغاربة ونفتخر :: . :: بـوابــة ادب وشــــــــــــعر-
انتقل الى: