مغاربة ونفتخر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 بورخيس يراوغ المجهول عبر شحنات الأمل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ادارة المنتـدى
Admin
ادارة المنتـدى


عدد المساهمات : 1842
تاريخ التسجيل : 01/11/2011

بورخيس يراوغ المجهول عبر شحنات الأمل Empty
مُساهمةموضوع: بورخيس يراوغ المجهول عبر شحنات الأمل   بورخيس يراوغ المجهول عبر شحنات الأمل I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 05, 2012 12:37 am



العرب اونلاين- قيس مجيد المولى

تجاوز بورخيس مفهومَه بأن الشاعر يكتب ما يستطيعه إلى القول بأنه يكتب ما لا يستطيعه، إذ أَلمّ بوظيفة اللغة الشعرية ومداخلها السرية، وفتح أبوابا منها على رؤيته التي كونتها دراساته المعمقة بدءا من الفلسفة وصولا إلى تاريخ السلالات.

انصب القدر الأكبر من اهتمام النقاد علي التعريف بخورخي لويس بورخيس وبما قدّمهُ لمجالات النقد والقصة وما كتبه للمسرح وكذلك جهده المعروف في الترجمة من الإنكليزية إلى الإسبانية و تأملاته الفلسفية الواسعة، وقد ساعد على هذا التجوال الموسع ما امتلكه من معرفة باللغة الإسبانية والإنكليزية، وإجادته للغتين الفرنسية والألمانية، ولا غريب بأن يذاع صيته بعد تقاسمه جائزة "فورمنتر" مناصفة مع صموئيل بكيت، ولا غرابة بعد ذلك أن تترجم جل أعماله إلى اللغة الإنكليزية.

إن بورخيس بما قدمهُ من أسئلة وتنظيرات في الحقل الفلسفي انسحب على مفهومه للشعر، بعد أن حصلت الانعطافة الحاسمة في حياته جراء فقدانه لبصره وسبب ذلك فقدانه لقدرة التركيزعلي ما يكتبه من المقالات الطويلة الزاخرة بالحوادث وتفاصيل الحاجات غير المعروفة لديه، لذلك فإن أسئلته وتنظيراته كانت وعاءه الشعري الذي خلط به هذه المفاهيم مع إنتاجه للغة الشعرية التي جسدت عمقه الفلسفي الجمالي.

وضمن هذا المفهوم، فإنه لا يرى أيّة حدود فاصلة بين المطالب الكونية التي تلازم المبدع في مكوثه، وحركته وفي مسميات تلك الأشياء التي يرى لها في كل دورة شعرية في مخيلته مسميات جديدة لاستخدام ما أسماه بالرموز المشتركة والحاجة إلى الكلمات التي لاتنتهي، ومن هنا لا يرى ضرورة أن تسعى موحياته الشعرية إلى التذكر كي تعيد لشعريته خزينة الصامت. فالشعر لديه تجليات تخلق نفسها في لحظة الزّهو اللحظة المفترضة المتوقعة، بعيداً عن الخلق الإجباري لشد الأحاسيس والرؤى، كي يتحشد النص وبالتالي يتعامل مع الأشياء الظاهراتية.

فالشعر لدى بورخيس مراوغة للمجهول وليس معاينة الحاضر وإنما معالجة الواقع عبر ماضيه، ورسم وقبول نتائجه وهي بالتأكيد تمرّ عبر شحنات الألم اللذيذ التي تجئ بها المفردةُ المناسبةُ غير الخاضعة لزمن محدّد ومكان محدّد، دون قصد إهمال هذين الغرضين إنه الشكل الآخر الشعري الذي استخلصهُ بورخيس من فلسفته:

"إذاً سأكونُ غداً الموت واللغز
أنا الذي أسيرُ مبتهجاً
لن يكون لي قبل ولا بعد مقيماً
أبدياً في مدار سحري ومنعزل
إنهُ شرط التزهد لا أظن أني
أهلٌ بالجحيم ولا موعود بالمجد

من يدري أيّ متاهةٍ تائهةٍ. أي حرقٍ
أعمى من البياض سيُدهشُ قدري
حين تُعلمني تجربةُ الموت الغريبةُ
عن نهاية المغامرة ".

كان بورخيس وعلاوة على ما اطّلع عليه من شتى أنواع المعارف والاتجاهات الأدبية فقد قرأ في إسبانيا "والت ويتمان" ووجد به ضالته الشعرية المفقودة، وقد أعجب به إعجابا لا مثيل له، وكان قبل ذلك قد هيأ قاعدته الفكرية وهو في سن التاسعة عشر عاماً حين توقف وتقبل شوبنهاور ونيتشه والتعبيرية الألمانية، ذلك التزاوج بين الشعر والفلسفة ضمنه الكتاب الشعري الذي أصدره بورخيس والمعنون" القمر مواجهة"، وخلال منتصف الأربعينات جمع بورخيس نتاجه الشعري في مجموعته" قصائد"، وقد ضمت أيضا مجموعته الشعرية الأولى حماس في بوينس أيرس.

كان بورخيس، وخلال مراحل حياته، مساهما نشطا في العديد من الصحف الأدبية أو مستشاراً أدبياً هنا أو هناك، لكن الانعطافة الوظيفية في حياته قد حدثت حين طرد من عمله في مكتبة العاصمة الأرجنتينية على إثر موقف سياسي وعيّنَ مفتشاً للدواجن والأرانب في سوق المدينة، وليس من شك أن هناك مناوبة شعرية بين قبوله لفكرة الحياة الشخصية وبين الآفاق المرسومة التي يعيد رسمها شعرياً للتخلص من ضغط الأفكار المقبولة جوهرا، وهو إدراك قمعي حاول أن يسلب من بورخيس معتقداته حول موقف الأنا الغائبة والأنا الحاضرة، وهو ميّال شعرياً للنظر إلى ما بعد البعد لكشف طاقاته الجمالية المخبوءة بين طيات فلسفته الضخمة والتي لم تفلح في صراع شاعريته فمجرد قراءةِ قصيدته "إلى الابن" يتكشف العمق الذي أشرنا إليه:

"أنا لستُ من ينجبك
إنهم الموتى
إنهُ أبي وأبوه سلسلةٌ طويلةٌ من الآباء
تنطلقُ من آدمَ
من الندم الأخوي
من الصباحات الأولى التي سيخضع لها الإنسان
هذا الحشد الذي أنجبك يابُني
أشعرُ بهِ بقربي
إنه نحنُ جميعاً،

إنهُ أسلافي وأنتَ وأطفالكَ وأطفال آدم الأحمر
إنها إرادة الطقس الأبوي
الأبديةُ هي لأشياء الزمن الذي
يسرعُ ويعبر ويتحرك."

ورغم انفصاله شعريا عن الفلسفة وتاريخ السلالات، لكن صبغة السوداوية والألم التي تركتها قراءتهُ بقيت تؤشرُ وحشَتهُ الشعرية في العديد من قصائده، وكأن بورخيس يريد من ذلك عكس نجاحاته إلى هزيمة روحية من خلالها يجد المتعة التي طالما تحدّث عنها في العديد من لقاءاته الأدبيه، ولا ضير في أن يحيل منجزه الشعري إلى دهليزه المحكم الإغلاق، كي يتسنى له وببصيرة نفذت الأعماق ذلك اللغز المحيّر لأسئلة يرد عليها بأجوبة استفهامية، ليحدث التبادل الكيفي وغير المنظم ضمن طاقية الإخفاء الزمكانية ليتمكن من مدّ يديه وتعميق جراحه على أوسعِ مايشاء :

"الدرب القديم أصبح محظوراً
الباب. الرقم. الجرس
ماذا تبقى في نفسي المهزومة
طعم فردوس مفقود
الأيام الغامضة والذاكرة الملونة
وذلك اللغز قبل الموت. الموت

لا أريد سواه
أريدهُ كاملا
مطلقا
على قطعة الرخام."

الاكتشاف هنا في شعر بورخيس أنه بنى حدثا ضمّن فيه التكثيف إزاء المرويات المحددة بإعادة تشتيت فواصلها الزمنية بالإطباق على نكهة جمال الجملة الشعرية بعد الإخفاء القصدي لعملية التحقق من المقبول ومن غير المقبول.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elkasmi.mountada.net
 
بورخيس يراوغ المجهول عبر شحنات الأمل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مغاربة ونفتخر :: . :: بـوابــة ادب وشــــــــــــعر-
انتقل الى: