مغاربة ونفتخر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 السياسة والقداسة في الأدب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ادارة المنتـدى
Admin
ادارة المنتـدى


عدد المساهمات : 1842
تاريخ التسجيل : 01/11/2011

السياسة والقداسة في الأدب Empty
مُساهمةموضوع: السياسة والقداسة في الأدب   السياسة والقداسة في الأدب I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 05, 2012 12:34 am



العرب أونلاين- عبد الدائم السلامي

نُلفي في أغلب الروايات العربية الحديثة، تلك التي توسم من قبل النقّاد بالرواية السياسية، نُزوعَها الدائمَ إلى تعرية وقائع المعيش الاجتماعي والثقافي والسياسيّ في واقعنا العربيّ، وخاصة ما اتصل منها بعلائق الحاكم بالمحكوم، والآلات الصانعة للزعماء، وكيفيات إضفاء القداسة على شخوصهم البسيطة على غرار روايات "محن الفتى زين شامة" و"مجنون الحكم" للمغربي بن سالم حميش و"آخر الرعية" للتونسي أبي بكر العيادي و"زهرة البن" لليمني علي زيد و""طائر الخراب" لليمني حبيب سروري. وهي تفعل ذلك بأسلوب فنيّ ينهض على استثمار استعارية النصّ الدّيني في نزع علامات التنجيس من أحوال الحاكم وصبغها بألوان التقديس.

والظاهر أنّ الرواية السياسية انتبهت إلى وقوعِ حياة الإنسان تحت ضغط قداساتٍ عديدة، وامتلاء مخياله برمزيّات ظلّت فاعلةً فعلَها في تحديد زوايا نظر الكائن البشريّ إلى عناصر الكون، ومتحكِّمةً في دَلالاتها لديه. وهو ما دفع ببعض نماذجها الحديثة إلى فكّ شيفرات نزوعِ الحاكم إلى التماهي مع متعاليات المقدّس، وتمثّله لما فيه من أدوار رمزيّة.

فكانت السياسة، على غرار المناشط الإنسانية الأخرى، مجالاً لتسليط الضوء على نزوع الحاكم إلى الترحّل من فضاء المواطن العاديّ إلى فضاء الزعيم المقدّس ذي السلطة غير المحدودة.

وهو ترحّل تسعى بعض الروايات السياسية إلى تأكيد أنه فعل تشترك في تحقيقه رغبة الحاكم وتعضدها رغبة المحكومين، وذلك من جهة أنّ "مصدر سلطة الزعيم ليس ذاتيا، ولا يعود لجنسه أو أصله الإثنيّ أو الاجتماعيّ أو المناطقيّ أو الروحيّ بقدر ما يأتي من القاعدة الاجتماعية" "صورة الحاكم في التراث الشعبي، اليمن 2008"، وهو ما يؤكّد أنّ المقدّس عامة، والسياسيّ منه بالخصوص، يظلّ محتاجا دوما إلى مُصادقة الجماعة عليه ليستحقّ صفتَه عبر إخضاعه لسَنَنِها القِيَمِيِّ الذي يُعيّن وظائف الأشياء فيها وينتظم السلوك الجماعيّ ويُعيِّرُه، ويجعل المجموعة الاجتماعية تنهض مؤسّسةً تُشرّع قداسة الزعيم بما يخدم أفق انتظاراتها المادية والمعنوية عبر دعمها لاستمرار سلطته ونفوذه وأدواته المنتجة لمعاني الوطنية أو القومية أو الدينية وفقًا لما يخدم تلك السلطة ويقوّي ذاك النفوذ.

وفي بعض نماذج الرواية السياسيّة، يظلّ الحاكم، في نزوعه إلى تمثّل المقدّس وبناء سلطته الكاريزمية، يحرّك كلّ أعوانه ويُجبرهم على تحمّل مشاقّ رحلته التقديسية، فيجاهد بعضُهم في سبيل إنجازها ويتجشّم عناءها ويُصيبُ منها منافعَ وامتيازاتٍ مَرّةً، ويهلك دونها آخرون مراتٍ أخرى، في حين يكتفى الزعيم من أتعاب تلك الرحلة بتملّي انتقالِه فيها بسلاسةٍ من حالٍ إلى أخرى ومن صفة فيها إلى غيرها، بل والمطالبةِ بحقّه في الاستزادة من خيراتها الرمزيّة في عطش لا يعرف الارتواء إلى السلطة التي "تفرز دولة البطل بما تحمله هذه اللفظة الأسطورية من دلالة على القوة والزعامة والتعالي، بحيث تلتقي مع آليات المقدّس في علاقته بالمؤمن، فضلا عن كونها تبدو الوريث الشرعيّ له" " الإنسان والمقدّس، تونس 1994".

وهي سلطة تُقوّي الإحساس لدى المواطنين بأنها محمَّلة بمشروع ثقافي يحقّق لهم الكرامة والأمن والطمأنينة، ويحتلّ فيه المقدّس القوميّ أو الدّينيّ موقعا هامّا. وبسبب من هذا، تكتسب سلطة الزعيم شرعية صناعة قداستها وما يحفّ بها من ترميزات متعالية تظلّ تحكمه باسمها أبدا.

ولا تُخفي رواية "آخر الرعية"، على سبيل التمثيل، إظهارَها لخمسِ حالاتٍ، بل هي مراتب، تترحّل فيها صورة الحاكم من محلّه الدنيويّ إلى محلّ إلهي متعالٍ وفق تتدرّج فنيّ معلوم. حيث يترحّل الزعيم من صورة المواطن العادي بسوءاته الخلقية والأخلاقية، ليحتاز مرتبة عظماء الإنسانية من جهة تضخيم أدواره السياسية ومنجزاته الحضارية وابتداع نَسَبٍ له جديد ذي خلفية تاريخية مجيدة، فمرتبة الوليّ الصالح الذي يهدي الناس للخير ويدلّهم عليه، ثم يجتاز عتبة فضاء الأنبياء من حيث القدرة على الرؤيا التي تستشرف الآتي، وينتهي حالاًّ بمرتبة الإله من جهة الاستحواذ على أسمائه الحسنى كالقادر والمهيمن والكبير والعفوّ والرحيم.

وهي مراتب يتم بلوغها عبر الاشتغال على الصورة، في جانبيْها المرئيّ والرمزيّ، باعتبارها سبيلا إلى إحلال صفة المقدّس في الحاكم، واستثمار ما في المخيال الدّيني من ارتباط الصورة بالله، أي بالمقدّس، وحُلول صورة الله في صورة الإنسان، وذلك استنادا إلى الحديث النبوي القائل: "… فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ" "أساس التقديس، القاهرة 1996".

ولئن كانت الصورة تتوفّر على شَبَهٍ ظاهرٍ بالشيء الذي تمثّله، فإنّ الاشتغال على صورة الحاكم لا يقف فقط عند ملامحه المادية العينيّة فقط، أي عند مضمونه الجسديّ الحقيقيّ، بل يتعدّى ذلك إلى الاعتناء بشكل الصورة أيضًا وطاقاتها الرمزيّة، أي بما يجب أن تكون عليه وفق انتظارات صاحب السلطة منها، وذلك من جهة أنّ شكل الشيء هو العلامة التي تتحقّق بها دلالته، أما مادّته، فتبقى حاملاً لتلك الدّلالة فقط، بل هي في الغالب الأعمّ، الجزءُ غير الهامِّ منها.

والذي تشدّد عليه الرواية هو أنّ الحاكم ما كان ليفارقَ مرتبتَه الدنيويّة ويبني له قداستَه في متخيّل مواطنيه لولا وجودُ "أدوات" مساعدة على ذلك تُمثّلَها مجموعة من المنافقين السياسيّين أبرزهم أفرادُ الحاشية إضافة إلى النّخب الفكريّة والثقافية والدّينية.

ولا شكّ في أنّ حاجة هؤلاء "المنافقين" إلى زعيم مقدّس قد توازي، أو تتجاوز أحيانًا، حاجته هو إلى التقديس، وذلك من باب أنّهم، حين يصنعون قداسة زعيمهم، إنّما هم يبحثون عن قوّة يستظلّون بظلّها، بل ويسعَون إلى التماهي مع صاحبها في تعاليه، وغايتهم من ذلك هي تحقيق مآربهم المادية والمعنويّة.

ومن ثمة تراهم يعمدون إلى استغلال مؤسّسات الدولة لتصفية كلّ مَن تُخوّل له نفسه انتهاك قداسة الزعيم، منبّهين الناس إلى واجب طاعة السلطان، لأن عصيانه يهدم أركان المِلّة، "فمَن غشّ السلطان ضلّ وزلّ، ومَن أخلص له المحبّة والنّصح حلَّ من الدِّين والدّنيا في أرفع محلٍّ" "آخر الرعية ص 186". وإذ يفعلون ذلك، يلوذون بسبيل كلّ ما يقرّبهم إليه ويكسبهم رضاه، فيدبّرون المكائد للإيقاع بالمُعارِضين، ويَفْتِك بعضُهم ببعض في السرّ والعلن، ويظلّ الواحد منهم يفرش طريقه إلى قلب الحاكم حتى بأجساد رفاقه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elkasmi.mountada.net
 
السياسة والقداسة في الأدب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مغاربة ونفتخر :: . :: بـوابــة ادب وشــــــــــــعر-
انتقل الى: