مغاربة ونفتخر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 عودة إلى ألوار: التمرد يضمحل في ذات الشاعر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ادارة المنتـدى
Admin
ادارة المنتـدى


عدد المساهمات : 1842
تاريخ التسجيل : 01/11/2011

عودة إلى ألوار: التمرد يضمحل في ذات الشاعر Empty
مُساهمةموضوع: عودة إلى ألوار: التمرد يضمحل في ذات الشاعر   عودة إلى ألوار: التمرد يضمحل في ذات الشاعر I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 30, 2012 11:22 pm



العرب أونلاين- قيس مجيد المولى

الشاعر الفرنسي"بول ألوار" من المتمردين على النمط الكلاسيكي للقصيدة، فهو الثائر على السائد، وهو المحارب الذي عاش أهوال الحروب ومآسيها، الأمر الذي أثر في شعره وجعله صورة للواقع الآخر ومرآة لوجه المعاناة الحقيقية.

يقدم الشعر مثالا حيّا على مجمل التحولات النفسية التي تحدث تحت تأثير الأزمات، وتحت ظل ظروف يختلط فيها العام بالخاص، وخصوصا في تلك التي تسمى الوقائع الكبرى، ولاشك أن الشعر يصل ذروته في تأمل التأمل والذي يمهد إلى الخلق المجرد من موروث ما، وهو غياب كلي وشامل لدى البعض من الشعراء عما ذكرناه من تسميتنا للوقائع الكبرى والعظيمة، ولعل أقرب مثال لنا على ذلك السيرة الذاتية للشاعر الفرنسي "بول ألوار" وما تركه من منتج شعري وصف النقاد الكثير منه بالمعقد والصعب والمقرون بشدة التركيز.

لقد تنحى"ألوار"بشعره عن مفهوم المزاوجة بين الأحداث، فجعل لكل فكرة خصوصيتها على صعيد الحدث المؤثر في لحظة الخلق الشعري أي أنه أقام دون أن يعلن نظاما رقابيا على مخيلته ووعيه يكون فيه اللاوعي هي الجهة المنفذة لذلك النظام الرقابي، والذى أعطى فيه للوقائع المرئية استحقاقاتها، وللذاتي غير المقترن إلا بحدث الخيال هو آخر استحقاقاته التي تتوجب ضمن دائرة مخفية من متطلبات الحاجة للحب والحياة.

لقد شهد "بول ألوار" الحرب العالمية الأولى وقضى سنوات ثلاث "1915 – 1918" مقاتلا عاش تأثيراتها المباشرة وأصيب لمرات عديدة وكان أخطرها حين أصيب بتسمم من غازاتها المدمرة، وقد أنهك جسديا وفكريا، وتأمل هذه الحرب بما يملك الشاعر والإنسان من قوة العاطفة والإحساس، وكذلك من عدم التوازن بين أمرين كراهية الحرب وبشاعتها أمام الواجب المقدس الذي يتحتم على المرء فيه الدفاع عن الوطن وبالتالي فلا بد من نتيجة ما والنتيجة هي كراهية مايمس وجود الإنسان وكيانه ومشاعره المرتبطة بحياته.

وقد أوضح"بول ألوار" هذا المفهوم المقبول والشرعي والمتناقض في كتابه "الواجب والقلق"، ونعتقد ولاشك أن القلق قد انتصر على الواجب لأنه كشاعر، وليس كمؤرخ، يعتقد بأن ليس بالضرورة أن تقوم الحروب ولابد من عمل شيء ما لمنع اندلاعها، تجاه هذا الرأي وهذا الرفض والكره للحروب كتب عام 1918"قصائد للسلام" زخرت بالتذكير بالمشاهد المروعة، وويلات وطغيان سادة الحرب للوصول بأي ثمن إلى مفهوم "النصر" الذي يعني لدى المتحاربين المزيد من القتلى والمزيد من المشردين والخراب.

لقد تعمقت فلسفة "ألوار" الشعرية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وما أحدثته هذه الحرب في ظهور تيارات فكرية وأدبية كان لها الأثر الكبير في ظهور تيارات الحداثة الأدبية، لذلك لم يجد ألوار مناصا من الإنضمام إلى الحركة الدادائية، ثم السريالية إذ وجد بهما الحاجة المطلوبة للتمرد ولتدمير الذات وإعادة صنعها من جديد فكتب من أروع ماكتب من القصائد التي تناولت مناخات فترة الحرب وعنون هذه المجموعة بـ"الموت من عدم الموت 1924".

وكذلك تحت أثرالانغماس حد القاع في تجربته الجديدة، وتحت الظل المعاكس للحرب كتب أجمل قصائد الحب حين بدأ برحلة طويلة في شرق آسيا ولعل"عاصمة الأمل 1926" هي ذروة نتاجه لوجه الحياة الطبيعي المعبر عنه بالسلام والحب المعبر عن الوجود والتي كتبها بلغة مليئة بالتغريب والتباعد:

"كراية ضائعة
أجرُكِ ..عندما أكون وحيداً
في شوارع باردة
حجرات سوداء
وأصرخ في عذاب
لا أريد أن أتركهما
يديك الواضحتين العسيرتين

المولودتين في مرآة يدي المقفلة
احفري الأرض تحت ظلك
ماء بالقرب من النهدين
يغرق الإنسان فيه
كالحجر.."

مرة أخرى، وبعد ذلك الانقطاع عنها، تعود تأثيرات الحرب على طرائق تفكيره وعلى شعره ونتيجة للحرب الأهلية الإسبانية فقد اضمحل في نفسه تمرده الفردي الذي توهج أثناء انتمائه للحركتين الدادائية والسريالية ليطرق باب الهم الجمعي والمنظم، ولاشك أن هذا المفهوم الجديد يتناقض كليا مع تلك الأفكار التي اعتنقها "ألوار" من تلك الحركتين لتحدث القطيعة النهائية مابينه وبين الحركة السريالية، بل أنه ومع قيام الحرب العالمية الثانية اتحد تماما مع مفهوم "الفن للحياة"، وهو تطور جديد وانسلاخ شامل عن مفاهيمه السابقة.

إذ رأى كما عبر هو عن ذلك من أن الشعر يستطيع أن يكون من أحد وسائل التحرير الأمر الذي دفعه للالتحاق بفصائل المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني لتستمر حياة "ألوار" من حرب لحرب، ومن مأساة لأخرى، ولعل مايحفظ له عن تلك الفترة التي بصددها نحن الآن أشهر ماكتب وهي قصيدته المعروفة بـ"الحرية"، وكانت بمثابة النشيد الوطني للشعب الفرنسي لما تزخر به من روح تواقة إلى التحرر والحرية واحترام سيادة الدول الأخرى وشعوبها.

إن القدر الأعظم مما كتب لتلك الفترة هو شعر المقاومة، الشعر الذي يمجد ويرثي ويُذكر وبأسلوبية واضحة وصارمة:

"الليلة التي سبقت موته
كانت أقصر ليال حياته
وفكر أنه مازال حيا
فالتهب دمه في قبضته
ثِقل جسده أضجر قوته جعلته يئن
في قلب هذا الرعب
بدأ يبتسم
لم يكن له مقاوم واحد

بل ملايين
كان يعلم أنهم سيثأرون له
ثم أشرق عليه النهار
ومس جفونه الشفافة النائمة.."

إن تجربة "ألوار" الشعرية رغم تخصص اتجاهاتها وعدم مزاوجة هذه الاتجاهات مع بعضها حافظت على نقائها في الاتجاهين ضمن مفهوم مطلق عبّر من خلاله عن حاجة الإنسان للآخر عبر ذلك الخيط السريّ الذي ينقل مشاعر بعضنا للبعض وهو أيضا انتصارٌ للقلق على الواجب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elkasmi.mountada.net
 
عودة إلى ألوار: التمرد يضمحل في ذات الشاعر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مغاربة ونفتخر :: . :: بـوابــة ادب وشــــــــــــعر-
انتقل الى: