مغاربة ونفتخر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 إشكالية التعليم: أن نكون أو لانكون؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ادارة المنتـدى
Admin
ادارة المنتـدى


عدد المساهمات : 1842
تاريخ التسجيل : 01/11/2011

إشكالية التعليم: أن نكون أو لانكون؟ Empty
مُساهمةموضوع: إشكالية التعليم: أن نكون أو لانكون؟   إشكالية التعليم: أن نكون أو لانكون؟ I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 02, 2012 4:40 am

محمد طروس



من السمات البارزة للاتجاهات والبرامج الإصلاحية أنها ظرفية آنية، تفتقد إلى الرؤية البعيدة والنفس العميق، فتوظف آلياتها وأدواتها في معالجة الأعطاب، وتقويم الاعوجاجات، والتحكم في السلوكات، دون أن تملك الجرأة على وضع الآلة موضع السؤال، أو ترمي بها إلى المهملات، إذا اقتضى الحال.

من هذا التصور البسيط والمبتسر جدا، يمكن أن نسائل المشاريع والبرامج الإصلاحية التي عرفها نظامنا التعليمي ومنظومتنا التربوية منذ خمسينيات القرن الماضي إلى ما اصطلح على تسميته، سهوا، بالمخطط الاستعجالي. يمكن أن تعتبرها سلسلة متتالية من الإخفاقات، مع اخنلاف في القراءة والتأويل، وفي جرد الأسباب والمبررات. ويمكن للبعض أن يعدد نجاحاتها وإنجازاتها، خاصة أولئك الذين كانوا من ورائها، وغنموا من خيراتها، ولن تعوزهم الأدلة والبراهين، ما دام النجاح والفشل مقولتان نسبيتان، ترتبطان بالأهداف والنتائج، وأساسا بالمواقع والمنطلقات والغايات. لنفحص الأمر بهدوء، ودون أن نتيه في التفاصيل.

قد نختلف في كون هذه المشاريع والبرامج امتدادا لا واعيا، أو ردود فعل انفعالية، ضد المنظومة التعليمية التي مارستها سلطات الحماية الفرنسية. وهي منظومة، كما يعلم الجميع، كانت تخدم بالأساس أهداف ومرامي المستعمر. تكرس تفوقه وتشرعن هيمنته، وتضع الحدود الفاصلة بين أنواع الساكنة على أسس عرقية أو دينية أو قبلية. لذا خصصت لكل فئة تعليمها، ورسمت بدقة حدوده وآفاقه: "مدرسة أبناء الأعيان"، "المدرسة الأسلامية"، "المدرسة البربرية"، "المدرسة اليهودية"، "المدرسة الأوربية". وكما كانت هذه السياسة التعليمية تهدف إلى طمس هوية الأهالي، ونشر ثقافتها وقيمها وتلميع صورتها وضمان استمرارها، سواء عن طرق لغتها أو بواسطة فرنسة فئة معينة تخدم مصالحها في غيابها على المدى البعيد؛ كانت، أيضا، تقدم تعليما بسيطا يستجيب لحاجتها المباشرة، فينتج عمالا لضيعات المعمرين أو موظفين للإدارات أو حرفيين للآلة الإنتاجية الاستعمارية، أي أنها كانت تقدم تعليما ينتج عبيدا وخدما، ولا ينتج أبدا إنسانا، كما يذهب إلى ذلك البعض.

لن نناقش النوايا، ولا يمكن مطلقا أن نشك في حسن نية الإصلاحيين، أوفي صدق وطنيتهم، أو في رغبتهم في الرقي بمستوى التعليم وبالإنسان المغربي، لأننا سنكون من الجاحدين. لكن يمكن أن نسائل نتائج إصلاحاتهم وجدواها وفعاليتها في مواجهة المخلفات. هل استهدفت هذه الإصلاحات - بنواياها الحسنة، وشعارتها البراقة، وغاياتها النبيلة - تدمير أو تعطيل تلك الآلة الجهنمية الرهيبة التي صنعت تعليمنا، ونحتت مجتمعنا، وطمست هويتنا، وفصمت شخصيتنا؟. لا أعتقد أنها نظرت إلى المسألة من هذه الزاوية، حتى لو افترضنا توفر الكفايات المطلوبة والإرادة السياسية اللازمة. وإلا فكيف نفسر استمرار الكثير من ملامح الحقبة السابقة؟ كيف نفسر الحضور الكثيف لهذه الآلة في منظومتنا التعليمية، بمرجعياتها وفلسفتها ومعجمها وطرقها البيداغوجية، وتقسيماتها الزمنية، ونظمها التقويمية، على الرغم من الإصلاحات المتتالية الباهظة التكلفة، أموالا وأجيالا؟ أي فائدة من هذه الإصلاحات إذا كان تعليمنا لا يزال يشيئ الإنسان، ويفيئ المجتمع، على الأقل، إلى فئتين: فئة مستفيدة تحظى بالسبق وبالتكوينات المستقبلية الرائجة في سوق العمل، محليا ودوليا، وفئة تجتر معرفة مستهلكة ومتجاوزة، ولا مجال لصاحبها حتى في الفرجة على حلبة السباق؟ كيف نقبل أن ينتج تعليمنا آلات بشرية، تعيش ازدواجية مرضية بين تفوق تقني أو معرفي أو فني، وبين سذاجة بدائية، ووعي مبتذل، ونرجسية مفرطة؟. ماذا يمكن أن ننتظر من تعليم يقوم على شحن الذاكرة ويراكم السنوات في مسسل لا ينتهي من الامتحانات، للتأكد من سلامة المعطيات المخزنة، علما أن التكنولوجيا الحديثة توفر أدوات أكثر سلامة للحفظ والتخزين والتسجيل؟. بل كيف ننتظر من نخبة عاجزة لا تحسن إلا الحفظ والاستظهار والاجترار أن تقودنا إلى بناء مشروعنا المجتمعي، وطموحنا الجماعي؟. أليس من العبث أن نطلب من الأفراد أن يحملوا وعيا مجتمعيا، وأن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، والتعبير عن مواقفهم مما يقدم إليهم من برامج وسياسات، وهم عاجزون عن التحليل والنظر والتفكير السليم؟. كيف ننتظر ممن يمتهنون الفن والإبداع أن يقدموا منتوجا قادرا على التحدي والمنافسة، وقد جردناهم من ملكاتهم الإبداعية وروحهم الابتكارية؟.

يمكن لغيري أن يرسم لوحة مخالفة، أو ينبنى موقفا مدافعا أو محايدا، لكن لا يمكننا، جميعا، أن ننكر أن المنظومة التعليمية في بلادنا تعيش إشكالية حقيقية، تضعنا في مفترق طرق، وتحتم علينا، مهما كان تحليلنا أو موقعنا، أن نتحلى بالشجاعة الكافية، أمام اختيارين لا ثالث لهما: أن نستمر في سلسلة لا متناهية من الإصلاحات الآنية والظرفية للآلة التقليدية المتآكلة، ونرضى بالقليل في انتظار المجهول، أو أن نعود إلى نقطة البداية، لنبني، جميعا، آلة تعليمية جديدة، ولا ضير إن أوقفنا الزمن، وأضعنا سنة أو سنتين من الزمن الضائع أصلا. علينا أن نختار بين تحرير الملكات، وتفجير الطاقات لبناء مجتمع مبدع وخلاق، تتساوى فيه الفرص، ويستحق العيش في عالم اليوم بكفاءة واقتدار، وبين الاستمرار في إنتاج قطيع عاجز، مستسلم، لا يملك مصيره، ولا يدري إلى أين يسير. وبعبارة شكسبيرية صريحة: أن نكون أولا نكون؟ تلك هي المسألة.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elkasmi.mountada.net
 
إشكالية التعليم: أن نكون أو لانكون؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مغاربة ونفتخر :: . :: بــوابــة تـــربية وتــــعليـم-
انتقل الى: