طارق الحميد
على عكس ما يعتقد كثر ممن تابعوا حديث بشار الأسد التلفزيوني الأخير، فإن الأسد كان يعي ما يقول، وإن طغت الدراما السوداء على بعض إجاباته، خصوصا حول الانشقاق والمؤامرة؛ فالأسد لم يكن منفصلا عن الواقع، كما يبدو، بل إنه كان يوجه رسائل محددة لأناس محددين.
وما يجب التنبه له هنا أن حديث الأسد التلفزيوني جاء عشية قمة عدم الانحياز بطهران، وكل ما أراد الأسد قوله في ذلك اللقاء التلفزيوني إنه يحقق تقدما على الأرض، لكنه بحاجة للوقت، لا أكثر ولا أقل، فالأسد كان يتحدث وعينه على إيران، وعلى مريديه أيضا، وعملائه، في سوريا ولبنان، فطاغية دمشق قال بكل وضوح: «الكل يتمنى أن يكون الإنجاز أو الحسم خلال أسابيع أو أيام أو ساعات.. هذا كلام غير منطقي. نحن نخوض معركة إقليمية وعالمية، فلا بد من وقت لحسمها، لكن أستطيع أن أختصر كل هذا الشرح بجملة أننا نتقدم إلى الأمام والوضع عمليا هو أفضل، ولكن لم يتم الحسم بعد، وهذا بحاجة لوقت»! فالأسد يعد بالنصر، لكنه يريد من مناصريه وحلفائه الانتظار، وعدم التخلي عنه، أو اليأس من أنه قادر على إنجاز ذلك النصر.
ومن يتأمل ما حدث بإيران، وتحديدا في قمة عدم الانحياز، سيدرك أن الأسد كان يعي تماما ما يقول، والدليل أن وليد المعلم اضطر للانسحاب من المؤتمر، وفي طهران، بعد أن شن الرئيس المصري هجوما على الأسد وأمام المرشد الأعلى والرئيس الإيراني، وبقلب العاصمة الإيرانية التي تعتبر الملاذ الآمن للأسد ونظامه، وهذا يقودنا إلى التأمل في أمر آخر مهم أيضا. فحديث الأسد يدفع المتابع للتشكيك فعليا في ما دار بين الأسد وزواره الإيرانيين مؤخرا، فيبدو أن تلك الاجتماعات انطوت على معطيات مختلفة عما تم تسريبه، حيث يشعر المرء بأن تلك الاجتماعات لم تكن للتفاوض على حيثيات المبادرة الإيرانية المزمعة تجاه سوريا، كما قيل حينها، بل يبدو أن طهران قد أبلغت الأسد بأنها تريد إنجاح قمة عدم الانحياز بأي شكل من الأشكال، وإلا فكيف نفهم أن يتجرأ نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، على طرح مبادرة تجاه سوريا خلال قمة عدم الانحياز، في الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية الإيراني عن أن بلاده تنوي إطلاق مبادرة خاصة تجاه سوريا؟
والأمر الآخر المهم هنا هو أن المرشد الأعلى وأحمدي نجاد تفاديا الحديث عن سوريا بقمة عدم الانحياز، علما بأن كلمة نجاد جاءت بعد كلمة الرئيس المصري الذي شن هجوما على الأسد ونظامه، مما اضطر وليد المعلم لتكذيب قناة «العالم» الإيرانية التي قالت إنه لم ينسحب من القاعة احتجاجا على الرئيس المصري، فالواضح أن الإيرانيين كانوا حريصين على إنجاح مؤتمرهم، وكسب مصر، أكثر من الحرص على الأسد بكثير! ولذا فالواضح أن طاغية دمشق كان يعي ذلك تماما، ولذا لجأ للمقابلة التلفزيونية ليقول لحلفائه وعملائه إنه بحاجة للوقت، مما يعني أن الأسد بات يعي خطورة قادم الأيام، فحديثه لم يكن حديث المغرور، بل المذعور!
*نقلاً عن "الشرق الأوسط" السعودية