مغاربة ونفتخر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الإنسان كائن متحضر بطبعه - 2 -

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ادارة المنتـدى
Admin
ادارة المنتـدى


عدد المساهمات : 1842
تاريخ التسجيل : 01/11/2011

الإنسان كائن متحضر بطبعه - 2 - Empty
مُساهمةموضوع: الإنسان كائن متحضر بطبعه - 2 -   الإنسان كائن متحضر بطبعه - 2 - I_icon_minitimeالسبت أبريل 07, 2012 1:27 am



زهير قاسيمي

لكن في القرن الثامن عشر ستدخل أوروبا عهدا جديدا مع الثورة الصناعية ، وستفك القطارات العزلة عن القرى وستتسع رقعة المجال الحضري بشكل مهول جدا وسيغلب الطابع الرأسمالي على العلاقات الاقتصادية وسينتشر تقسيم العمل في كبريات المدن الأوروبية وسيتحول الأقنان إلى عمال في المعامل الحضرية، مما سيدفع علماء الاجتماع في القرن التاسع عشر إلى دراسة ظاهرة المدينة وفق معايير أخرى بعيدة عن المعايير التي وضعها ابن خلدون في كتابه المقدمة.

ففي كتابه"اوروبا في القرن التاسع عشر يقول محمد مظفر الأدهمي": " الثورة الصناعية هي التغيير الجذري الذي عاشته أوروبا وفي مقدمتها بريطانيا ، حيث تحولت المجتمعات الزراعية إلى مجتمعات صناعية ، وتوسعت مدن جديدة بفعل الاختراعات وظهور نظام المعامل في كبريات العواصم الأوروبية،وظهرت طبقات اجتماعية وقيم وتقاليد لم تكن موجودة من قبل"، وتعتبر مساهمة كارل ماركس وفريدريك إنجلز من أبرز الدراسات التي اهتمت بهذا الإطار وذلك من خلال كتابيهما " الإيديولوجيا الألمانية " اللذي وضعا فيه نظرية سوسيولوجية ذات طابع مادي تاريخي.

أكد ماركس وإنجلز على أن تاريخ الحضارة يحكمه التناقض والتنافس المستمر بين نمطين من العيش العمل الصناعي المتمدن والعمل الفلاحي في البوادي ، فالأول صراع البروليتاري مع البرجوازي والثاني صراع القن مع النبيل وبذلك يعد هذا التقسيم الشكل الأول لتقسيم العمل بين البادية والمدينة ، ففي كتابهما "الإيديولوجيا الألمانية" يقول ماركس وإنجلز : " إن تقسيم العمل بين أمة يفترض أولا التمييز بين المدينة والبادية وتعارض مصالحهما".

فقد نادى ماركس بضرورة المحو التدريجي للفوارق بين النظام البدوي والنظام الحضاري فالفوارق بين هذين النمطين من العيش أخذ يلوح في سماء الحضارة الإنسانية مع الانتقال من التوحش إلى الحضارة ومن التنظيم القبلي إلى الدولة ومن الجهوية إلى الأمة ، فوجود الدولة رهبن بوجود الإدارة والشرطة والضرائب ، وهو المعيار الذي استند إليه الماركسيون لتبرير التقسيم الطبقي في أوروبا وهو تقسيم يتأسس على تقسيم العمل ووسائل الإنتاج.

إن هذه الدعوة للتحضر الشامل لدى كارل ماركس "1818-1883" ستكون بداية لنظريات جديدة، فكلما تقدم التمدن تطورت معه نظريات علم الاجتماع الحضري ، فالتصور المادي التاريخي للمدينة سيكون محط اهتمام العديد من علماء الاجتماع ونذكر هنا الزعيم الماركسي هنري لوفيقر الذي ينطلق في كتابه "الثورة الحضرية " بأن تاريخ الإنسانية مر من ثلاثة مراحل أساسية:

المرحلة القروية ثم المرحلة الصناعية ثم أخيرا المرحلة الحضرية وتتميز هذه الأخيرة بسيادة تنظيم واحد وهو المجتمع الحضري ".

فتصور ماركس قد اعتبر المدنية مفهوما تاريخيا ينشأ حسب نوعية المجتمع وتطور نمط إنتاجه ففي مؤلفه " مدخل عام لنقد الاقتصاد السياسي يقول : " كلما تقدمنا في التاريخ برز لنا مفهوم الفرد ...لكن ابتداء من القرن الثامن عشر، داخل المجتمع البرجوازي ستظهر الأشكال المختلفة للارتباط الاجتماعي، وستبدو للفرد كوسيلة لتحقيق غاياته الشخصية وكضرورة خارجية".

إن تقسيم العمل الذي تحدث عنه ماركس سيحاول إعادة قراءته علماء الاجتماع المعاصرين في بداية القرن العشرين ، خصوصا السويولوجي الفرنسي إميل دوركايم " 1858م- 1917م" ، فلقد اهتم دوركايم بمسألة التغير الاجتماعي ، محاولا تفسير انتقال التجمعات البشرية من مجتمعات دنيا إلى مجتمعات عليا وذلك من خلال كتابه " تقسيم العمل الاجتماعي " الذي خصصه لهذا الموضوع.

فنظريته ترمي إلى أن انتقال الإنسان من مجتمعات أقل تطورا إلى مجتمعات متحضرة وذلك بفضل ارتفاع المستوى المادي للكثافة السكانية التي تولد بدورها كثافة روحية يتخللها نوع من التضامن الوظيفي بين أفراد المجتمع وهو الذي يخلق الحضارة، ولذلك ميز دوركايم بين نوعين من التضامن:

1- التضامن الآلي: الذي يقوم على التشابه بين الأفراد على كافة المستويات، فينصهر الفرد داخل الجماعة ويفقد حريته فلا يتمتع بها ولو بجزء قليل، فجميع تصرفاته خاضعة للتقاليد والأعراف المتوارثة والسائدة، ولقد عبر عن ذلك بقوله في كتابه تقسيم العمل : " تنمحي فرديتنا عندما يشتغل التضامن الآلي، فلا يكون الفرد فردا بل كائنا منصهرا في الجماعة, ولا تتماسك الوحدات الاجتماعية إلا بهذه الطريقة ولا يمكن لهذه الوحدات أن تتحرك مجتمعة . كحركة الأجسام اللاعضوية . لذللك نقترح أن نسمي هذا التضامن: التضامن الآلي ... " فهذا التضامن يسود في المجتمعات البدائية وفي مساحات صغيرة حيث تبتلع الشخصية الجماعية "الكيان الجماعي " الشخصية الفردية " الكيان الفردي ".

2-التضامن العضوي : هذا النوع من التضامن تتميز به التجمعات المتحضرة لأنه يقوم على الاختلاف والتباين ، لذلك فالفرد يحتفظ ببعض الاستقلالية والحرية الشخصية ، بسبب تقسيم العمل وظهور مختلف التخصصات والمهن ، فما يربط الفرد بالمجتمع هو النشاط الوظيفي فيبقى المجتمع في حاجة إلى أفراده كما أن الأفراد في حاجة إليه.

ويضيف هنا دوركايم قائلا: " ويختلف التضامن الآلي كليا عن التضامن الذي ينتج عن تقسيم العمل، فإذا كان التضامن الأول يستلزم تشابه الأفراد ، فإن التضامن الثاني يفترض اختلاف بعضهم عن البعض الآخر ... ولا يكون الثاني ممكنا إلا إذا كان لكل فرد مجاله الخاص به ، وبالتالي شخصية متميزة " ولذلك احتقر إميل دوركايم التضامن الآلي واعتبره عائقا أمام تبلور الوعي الفردي ليتوصل في الأخير إلى نتيجة مفادها أنه " ينبعي إذن للوعي الجمعي ألا يغطي كل مساحة الوعي الفردي حتى يتمكن هذا الأخير من القيام بالمهام التي لا يمكن التضامن الآلي أن يضمنها".

لكن مع ماكس فيبر"1864-1920 " ستدخل المدينة منحى آخر فلأول مرة سيقدم عالم اجتماع على نشر كتاب يحمل عنوان "المدينة " ، وبذلك ستتحول المدينة من موضوع ثانوي إلى موضوع مركزي يحضى بمؤلف كامل، لكن ماكس فيبر وهو يحاول تفسير ظاهرة التحضر الإنساني فإنه ينطلق من نموذج المدينة الغربية خصوصا العاصمة الألمانية برلين، فقد اهتم ببعض الجوانب السوسيولوجية التي تميز الظاهرة الحضرية.

ارتكزت أفكار فيبر حول ما يطبع المدينة وذلك في إطار نظريته الاجتماعية التي تجمع بين العقلنة والشرعنة باعتبارهما يشكلان خلاصة الحضارة والعلم التي وصل إليها تطور الجنس البشري خصوصا في أوروبا، فالعقلنة تتجسد في مختلف التنظيمات والتدابير التي تجمع العلاقات بين الناس ، والتي تسمى سلطة وكل سلطة ولا بد لها أن تتوفر على مشروعية ، فحسب ماكس فيبر مر تاريخ الإنسانية من ثلاثة أنواع من السلط :

1- السلطة التقليدية أو كما سماها ماكس فيبر " سلطة الأمس الأزلي : وهي السلطة التي تستمد من مختلف العادات والتقاليد التي يتبناها مجتمع معين ، وتكون بيد شخص معين ، وهذا النمط من العيش يعطي الأهمية للشخص أو الشيخ الأكبر أكثر من ارتباطه بنوع العمل الذي يؤديه الفرد داخل مجتمعه . ففي كتابه " العالم والسياسي " يقول ماكس فيبر : " هناك أولا نفوذ " الأمس الأزلي " أي نفوذ سلطة العادات والتقاليد التي تكرسها صلاحياتها العتيقة ، وعادة احترامها في الإنسان . وتلك هي السلطة التقليدية التي كان الأب الأكبر أو الشيخ يمارسها في الماضي.

2- السلطة الكاريزمية : وهي " السلطة القائمة على المزايا الشخصية الفائقة لشخص ما ." بمعنى أخر شخص يستطيع تقمص روح الأمة فيتفانى الرعايا في تنفيذ الأوامر التي يدعو إليها هذا الإنسان المتميز أو الخارق ، لأنه يتميز ببطولات خارقة ونادرة تجعل منه رمزا وزعيما متميزا.

3-السلطة البيروقراطية : ويعد ماكس فيبر أول من نحت هذا المفهوم ، فقد شهد ما وصلت إليه الدول الغربية من تقدم اقتصادي واجتماعي ، ويرمي هذا المفهوم في معناه الاشتقاقي إلى حكم المكاتب ، أما عند السوسيولوجيين فتعني العقلنة الغائية لجميع المجالات الاجتماعية والتي تبحث عن أنسب الوسائل لبلوغ أنسب الأهداف . " فهي القائمة على أساس الطاعة التي تؤدي الواجبات والالتزامات لقوانين النظام القائم . وهذه السلطة كان يمارسها خادم الدولة الحديثة وكل اللذين يمسكون بزمام السلطة".

إن ألمانيا تعد من بين الدول التي خاضت غمار التحول من نمط الحياة القروي إلى نمط الحياة الحضرية خصوصا العاصمة برلين ، وبهذا الصدد يقول جورج سيمل :" إن التطور الذي تعرفه برلين بانتقالها من مدن إلى ميتروبول في السنوات الثلاث الأخيرة من القرن التاسع عشر قد تصادف مع التطور الفكري والأقوى و الأشمل " ففي سنة 1903 م سيكتب جورج سيمل أهم مقالاته بعنوان " الميتروبول والحياة الذهنية " ويمكن إجمال خصائص حياة الميتروبول كما تضمنها المقال في العناوين التالية:

فالميتروبول هو مجال : - الحرية الفردية – طغيان العقل على العاطفة – العقلية الحسابية – سيادة العقلانية الوظيفية – الثقافة النفعية الموضوعية والجاهزة .
إن هذه المحاولة التي قام بها علماء الاجتماع الحضريين لدراسة ظاهرة المدينة ، هدفها هو سبر أغوار العلاقات الإنسانية والتدقيق في دراستها ، فالتجمعات السكانية تحمل بين طياتها عوالم ذات حمولة اقتصادية وسياسية وجغرافية وثقافية ، لكن هذه المعايير تبقى غير كافية لفهم ظاهرة التمدن فالمدينة وإن كانت جعلت الأنوات لا تعرف أغيارها فلأنها أغفلت القيم الإنسانية محاولة جعل الفرد عنصرا سلبيا غير مستقل بذاته خصوصا مع النظام البيروقراطي وهذا ما عبر عنه ممثل مدرسة فرانكفورت إريك فروم قائلا : " الحلم بأننا سنصبح يوما السادة المستقلين بحياتنا قد انتهى في اللحظة التي أفقنا فيها على واقع أننا أصبحنا مسامير في الآلة البيروقراطية ..."
---------------------------
المراجع
-الأزمنة الحديثة – مجلة فلسفية فصلية تعنى بشؤون الفكر والثقافة – العدد 2 مارس 2010 : ص 89- 90 – 91
-محاضرات في علم الاجتماع الحضري – د. مالكي – جامعة ظهر المهراز – فاس 2004
-ماكس فيبر – العالم والسياسي - بيروت – دار الحقيقة – 1982 ص ص 46 – 49
-عبد الرحمان بن خلدون – المقدمة - الكتاب الأول في طبيعة العمران في الخليقة وما يعرض فيها من البدو و الحصر والتغلب والكسب والمعاش والصنائع والعلوم ونحوها وما لذلك من العلل و الأسباب - الباب الأول من الكتاب الأول في العمران البشري على الجملة و فيه مقدمات
-إيميل دوركايم – تقسيم العمل الاجتماعي – طابعات فرنسا – ص 149 – 150 "بتصرف".
-إريك فروم – تملك أم كينونة – نقلا عن محمد سبيلا وعبد السلام بن عبد العالي ، الفلسفة الحديثة ، دار الأمان 1991 ص 274- 275.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://elkasmi.mountada.net
 
الإنسان كائن متحضر بطبعه - 2 -
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإنسان كائن متحضر بطبعه - 1 -
» الإعلان عن ماستر في حقوق الإنسان
» عالم فيزيائي: القرآن يزود الإنسان بالطاقة
» "الحياة الثانية": قصة الإنسان الذي أكلته حضارته
» الفنانة العراقية ناديه فليح .. قراءات لحواجز حرية الإنسان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مغاربة ونفتخر :: . :: بـوابــة تـــاريخ وحـضارة-
انتقل الى: